في الوقت الذي تلتقي فيه المنظمات والهيئات باختلاف أنواعها، في تحديد أولوياتها وتفاعلها مع الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ظل المصالح المشتركة، تختلف حول استراتيجية تسجيل مواقفها من القضايا.
أقول ذلك بعد متابعتي «ماراثون» البيانات الصحافية الذي انطلق عبر وسائل الإعلام العربية والأجنبية حول قضية الناشطين الذين اختاروا الذهاب عبر الباخرة التركية «فلوتيلا» إلى المياه الإقليمية المحاذية لغزة المحاصرة للفت أنظار العالم إلى ضرورة تحرير غزة من الحصار، حيث اتجهت أنظار الصحافة الأجنبية إلى «ديمتري جيلاليس» الناشط اليوناني و»حنين زعبي» الناشطة العربية عضو الكنيست، وسفراء أجانب سابقين أمضوا سنوات من الخدمة لدى الدول العربية وكرسوا فترة التقاعد للعمل الإنساني تجاه غزة. أما الصحف الخليجية فقد ذكرت باقتضاب الناشطين من جمعيات بحرينية، بالإضافة إلى المجموعة الكويتية «المتحمسة» للعمل الإنساني، وانقسم كتاب الأعمدة في الصحف الكويتية ما بين مؤيد لرحلة الناشطين واعتبارها مبادرة لتسجيل موقف تضامني إنساني مع تحرير غزة من الحصار، وموقف آخر يخشى من أن يتحول العمل الإنساني إلى تشجيع الناشطين على العمليات التي تتصف بالمخاطرة بالأرواح. كما انقسم محللو السياسة في قراءة الموقف التركي، فالبعض ذهب إلى تأييده الداعم للقضية، والبعض الآخر اتهم تركيا باستراق شعلة القضية الفلسطينية من العرب. ولو ألقينا الأضواء على القضية الفلسطينية عبر أجندة «لجنة السلام العربية»، التي تأسست في أثناء انعقاد مؤتمر بيروت عام 2002، لوجدنا أن المؤتمر شكل قاعدة انطلاق لمبادرة الملك عبدلله بن عبدالعزيز للسلام- الذي كان وليا للعهد آنذاك- وسميت بمبادرة السلام العربية، تبعها تطور أعمال اللجنة لتضم عدداً من الدول العربية، منها الشق الخليجي المتمثل في البحرين وعمان والمملكة العربية السعودية والإمارات واليمن وقطر، بالإضافة إلى الأردن وسورية ولبنان بحكم «جوارها» للأراضي المحتلة، أما من قارة إفريقيا فتضم الجزائر والسودان والمغرب. ومن الملاحظ أخي القارئ عدم انضمام الكويت إلى أي من تلك اللجان، وغيابها عن حضور مؤتمر أنابوليس الداعم لحوار السلام، لذا فمن المستغرب أن يطالب أعضاء مجلس الأمة بانسحاب الكويت من المبادرة. واليوم، وبعد خضوع عملية السلام لـ»دبلوماسيات التعديل والتغيير» كتوقيع اتفاق أوسلو عام 1993، الذي تم بعده «افتراضا» إيقاف الصراع بين منظمة التحرير وإسرائيل، ومعاهدة «وادي عربة» للسلام بين الأردن وإسرائيل، ومؤتمر «واي ريفر» عام 1998، ومؤتمر «كامب ديفيد» عام 2000... ومن خلال تلك الاتفاقيات أخذت الجامعة العربية على عاتقها، و»بحذر شديد» تحريك مبادرة السلام، وتجاهل تقرير غولدستون الذي توصلت إليه إحدى لجان الأمم المتحدة المكلفة بتقصي الحقائق حول حرب غزة، والذي تم التصويت على إحالته بأغلبية 114 صوتا مؤيدا، وامتناع 44 دولة واعتراض 18 دولة فقط، وخلا من أي جهود عربية، رغم استنفار جامعة الدول العربية تجاه أحداث غزة في العام الماضي... وبعد ذلك مازلنا نجهل السبب الرئيسي وراء ضعف التعامل مع القضايا، فهل هو الجو غير المحفز للطاقات والقدرات التي تتسم بروح المبادرة والتجديد؟ أم خصوع العمل الإنساني للتسييس والتكسب الانتخابي؟ أم هو ترهل جامعة الدول العربية في إدارة الأزمات؟! كلمة أخيرة: باقة ورد للناشطة منى ششتر التي أثارت انتباه الإعلام العالمي لمصداقية حديثها وزياراتها السابقة إلى القدس ورفح وامتلاء أجندتها بالعمل الإنساني البحت، وخلوها من الدعاية السياسية.
مقالات
الباخرة فلوتيلا وعملية السلام
08-06-2010