هل توشك أكثر الشركات قوة وإثارة للجدل في "وول ستريت" على نيل القصاص الذي يظن كثيرون أنها تستحقه؟

Ad

يوم الجمعة، السادس عشر من أبريل، تقدمت لجنة سوق الأسهم الأميركي بدعوى مدنية ضد شركة غولدمان ساكس وأحد نواب الرئيس فيها فابريس تور بزعم الاحتيال على المستثمرين من خلال عدم كشف معلومات حيوية تتعلق بمنتج مالي يرتبط برهونات عقارية، وذلك في وقت بدأ سوق الإسكان في الولايات المتحدة التعثر والتردي، ليجر معه أيضاً أسواق الأسهم الى مستويات متدنية.

وكانت الأداة المشار إليها التي قامت "غولدمان" بتكوينها وتسويقها عبارة عن التزامات ديون اصطناعية بضمانات إضافية، ارتبط أداؤها بأسهم سندات مدعومة بعقارات سكنية، وقد أبلغت "غولدمان" مستثمريها، ومن ضمنهم بعض البنوك الأوروبية، ان الأسهم جمعت معاً لتشكل التزامات الديون المشار إليها، وان اختيارها تم عبر طرف ثالث مستقل يدعى إدارة اي سي اي ACA.  

وتزعم لجنة سوق الأسهم الأميركي أن بنك الاستثمار هذا لم يكشف حقيقة أن شركة اخرى تدعى "بولسن آند كو"، التي تدير أحد صناديق التحوط الضخمة، كان لها يد في اختيار ما تضمنته الالتزامات المذكورة.

كان ذلك إهمالاً ولامبالاة على قدر كبير من الأهمية، نظراً إلى أن مدير "بولسن آند كو"، ويدعى جون بولسن، حقق المليارات في 2007-2008 عبر المراهنة ضد سوق الإسكان، وبالتالي فهو لم يكترث بمسألة التزامات الديون، لأن شركته ستربح من خلال ضعف أداء الأداة المشار اليها، وقال رئيس قسم التنفيذ في لجنة سوق الأسهم الأميركي روبرت خزامي: "إن المنتج كان جديداً ومعقداً، ولكن الخداع والنزاعات قديمة وبسيطة".

من جهتها، قالت "غولدمان" إن هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة على الإطلاق، وإنها ستقوم بتفنيدها، أما "بولسن آند كو" فلم تتعرض لاتهام، وقالت إن "أي سي اي"، بوصفها الطرف الثالث المدير والضامن، تتمتع بسلطة وحيدة في ما يتعلق باختيار الأسهم في التزامات الديون. وفي رد أكثر تفصيلاً صدر في ما بعد قالت "غولدمان" إنها خسرت أموالاً في هذه الصفقة، وأصرت على أن المعلومات المكثفة عن المحفظة الاستثمارية قدمت الى المشترين الذين كانوا من المستثمرين العارفين بالمخاطر.

وحسب الشكوى فإن "بولسن" قلصت المحفظة التي ساعدتها على الاختيار، من خلال شراء حماية ضد تخلف طبقات معينة عبر مبادلات التخلف الائتماني التي أجرتها مع "غولدمان". وتجادل لجنة سوق الأسهم الأميركي في أن هذه المشتقات أعطت صندوق التحوط الحافز لاختيار أسهم رهن عقاري ستتلاشى... وهذا ما حدث فعلاً. فقد عقدت الصفقة في شهر ابريل من عام 2007 وبحلول نهاية يناير 2008 تم خفض تصنيف 99 في المئة من المحفظة من قبل وكالات التصنيف الائتماني.

كان تور مسؤولاً عن التزامات الديون، وقد اتهم ليس فقط بمعرفته بموقف "بولسن" غير المعلن وإنما بأنه ضلل "اي سي اي"، ودفعها الى الاعتقاد بأن "بولسن آند كو" قد وضعت حوالي 200 مليون دولار في أسهم التزامات الديون.

قد تكون هذه الاتهامات صدرت في أسوأ وقت بالنسبة الى "غولدمان"، لأن هذه الشركة تعرضت لنيران على عدد من الجبهات، بما في ذلك الدفعات السخية التي حصلت عليها من مجلس نيويورك كمشتقات طرف مقابل للمجموعة الأميركية الدولية، وهي شركة ضمان أوشكت على الإفلاس في عام 2008. وفي سلسلة من المقالات السلبية خلال السنة الماضية اتهمت "غولدمان" بكل شيء من ازدواجية التعامل، لتحقيق مزايا لمصلحتها، إلى تجنيد أشخاص يعملون لها في وزارة الخزانة والوكالات الأخرى لضمان الاهتمام بمصالحها.

وقد شبهت إحدى المقالات "غولدمان" بحيوان الحبار الرخوي ومصاص الدماء المغلف داخل وجه إنساني يمتص دون هوادة أي شيء تفوح منه رائحة المال. لكن "غولدمان" استمرت في إصرارها على أنها نجحت بقدر أفضل من معظم منافسيها بسبب إدارتها البارعة للمخاطر، لا نتيجة أي نزاعات أو ازدواجية. كما أن رئيس "غولدمان" لويد بلانكفين شن دفاعاً قوياً عن ممارسات الشركة في رسالته إلى المساهمين التي نشرت في الآونة الأخيرة.

ولكن ضربات المطرقة الأسبوع الماضي ستطلق موجات من الشماتة والتشفي. وسيقول المشككون إن ذلك يؤكد شكوكهم في أنه بالرغم من كل الكلام عن مساعدة عملائها (استخدم بلانكفين كلمة زبائن 56 مرة في رسالته) فإن "غولدمان" تحرص على تفضيل مصالحها ومصالح الشركاء التجاريين المفضلين وتضعها في المقام الأول. ويقول كريستوفر ويلن من مؤسسة تحليل المخاطر المؤسساتية "إن خطوة لجنة سوق الأسهم الأميركي تمثل تصعيداً في المعركة الرامية الى كشف تضارب المصالح في وول ستريت، كما تفضح الثقافة الساخرة والمتوحشة التي تسمح للتجار بخداع عميل لخدمة ومنفعة عميل آخر".

وستنطوي الاتهامات على مضاعفات بالنسبة الى التنظيم المالي. وينهمك أعضاء مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة في مجادلات حامية بشأن مسودة قانون للإصلاح الواسع يحتوي جزء رئيسي منه على مشتقات غير محددة وخاصة مبادلات التخلف الائتماني التي يرى كثيرون أنها ضاعفت الأزمة. وقد اقترح رئيس اللجنة الزراعية في مجلس الشيوخ إجبار البنوك الكبيرة على كشف وحداتها في تداولات المشتقات. وقد تجعل مشاكل "غولدمان" من الصعب تجنب مثل تلك الإجراءات الشديدة القسوة.

ومن المرجح أن تكون تكلفة أي غرامات ضد "غولدمان"، إذا ما وجدت مذنبة، بعشرات الملايين وربما بمئات الملايين، وتسعى لجنة سوق الأسهم الأميركي الى إعادة أي أرباح تحققت بشكل غير مشروع، إضافة الى فرض غرامات مالية. ويقال إن المستثمرين في التزامات الديون خسروا أكثر من مليار دولار. غير أن الضرر قد يكون أشد الى حد كبير إذا ما أفضت هذه القضية الى تدمير السمعة الهشة لـ "غولدمان" التي ضعفت أيضاً نتيجة الدعاية السلبية في الأشهر القليلة الماضية.

وفي إشارة الى مدى خطورة نظرة السوق الى الاتهامات الموجهة ضد "غولدمان" فقد هبطت أسهم "غولدمان ساكس" بأكثر من 15 في المئة يوم الجمعة الماضي.

ويتعين على المؤسسات المنافسة ألا تشعر بارتياح واعتداد بالنفس، لأن لجنة سوق الأسهم الأميركي عملت جاهدة لتقوية قواعد فرض القانون، وهذه القضية هي الأولى التي تقدمت بها مجموعتها الجديدة ولكنها لن تكون الأخيرة.