الزمان... دولة ورجال!

نشر في 01-12-2009
آخر تحديث 01-12-2009 | 00:00
 د. حسن عبدالله جوهر كل الشكر لجريدة «الجريدة» على نشر مضابط جلسات أول فصل تشريعي في تاريخ الكويت بعد الاستقلال، فهذه الحلقات تأتي في الوقت المناسب حيث كثر الجدال العقيم في معظمه وتعاظم الانتقاد للمؤسسات الدستورية وتحديداً مجلس الأمة، ووصل الأمر إلى حد المطالبة جهراً بوأد الديمقراطية وتعطيل الحياة السياسية.

فالمشهد السياسي اليوم مدان بجملة من التهم، التي تحتاج بالفعل إلى تشخيص دقيق ومعالجة حكيمة، ولكن إذا تفحصنا سيرة العلاقة بين السلطتين بدءاً من عام 1963 نجد أن نفس المشاكل التي يمتعض منها الشعب اليوم كانت قائمة، ولم تخلُ تلك العلاقة من محطات توتر وتأزيم، كما شهدت حالات من تدني مستوى الخطاب السياسي تحت قبة البرلمان بين الوزراء والنواب، إضافة إلى المساس بالشخصيات العامة من خارج المجلس وانتقادهم بشكل جارح، ولم يخلُ أول مجلس أمة كويتي من حالات انسحاب الأعضاء من القاعة لتسجيل موقف سياسي، وأخرى لرفع الجلسات مؤقتاً أو نهائياً بسبب المشادات الكلامية وتحول القاعة إلى فوضى لا يمكن السيطرة عليها.

وقد يقول نقاد برلمان اليوم إن مقارنة مجلس 1963 والمجالس التالية له بمجلس 2009 والمجالس السابقة له لا يمكن القبول بها موضوعياً نتيجة للتطور السياسي وفارق النضج والخبرة العملية، ويبقى مثل هذا التحليل وجيهاً ويستحق دراسة معمقة ومستقلة، ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار جمود الحراك السياسي وثبات فلسفة التشكيل الحكومي وغياب الأحزاب السياسية وفقدان روح العمل الجماعي داخل المجلس وتفاوت الأولويات والمصالح الانتخابية فبالتأكيد تكون المطالبة بالنضج النيابي ومثالية الطرح السياسي تحت قبة عبدالله السالم من الصعوبة بمكان تحقيقها، أو فرضها كإطار نظري للتحليل السياسي. وعوداً على مضابط مجلس 1963 وما شهدته من أحداث نجدها تتكرر اليوم مع فارق واحد فقط هو تبدل موقف الأفراد، فعلى سبيل المثال كان المرحوم خالد المسعود من بين أعضاء الكتلة البرلمانية التي انسحبت من الجلسة وقاطعت اجتماعات المجلس احتجاجاً على عدم دستورية تشكيل الحكومة، وبعد استقالة الحكومة آنذاك دخل المسعود الوزارة الجديدة وأصبح في نظر زملائه النواب من نفس التكتل المعارض حينذاك ملكياً أكثر من الملك بسبب دفاعه المستميت عن التشكيل الحكومي، ويبقى السؤال: لماذا تغير خالد المسعود سياسياً خلال أيام قليلة، فالحكومة لم تتغير والمجلس لم يُحل ولم تجر انتخابات جديدة، بل لم يمر على الحدث سوى بضعة أيام؟!

والجواب واضح أن الرجل دخل الحكومة كوزير ومن واجبه كما يقول هو أن يتصدى للنواب بحكم تضامنه الوزاري، بل ذهب المسعود أبعد من ذلك واعتبر بعض حلفائه بالأمس من النواب بأنهم يدافعون عن مصالح التجار والبنوك ويمصون دماء الفقراء من عامة الشعب، وكأنه يتحدث عن قانون الحيتان ومشكلة المعسرين اليوم، وليته كان وزير المالية بدلاً من الشمالي!!

ومثل هذا الكلام لو قيل عن نواب أو نواب سابقين دخلوا ووصفوا بأنهم حكوميون لقامت القيامة، ولاعتبروا ذلك الوصف سبة أو عارا، وكذا الحال بالنسبة لبعض التيارات السياسية التي غيرت مواقعها وتركت مبادئها وشعاراتها ومع ذلك تريد أن تعيش أمجاد تاريخها الوطني، وأن تستمر بنفس الوصف السياسي والقبول الشعبي!

فالحقيقة التي لم تتغير إذن منذ عام 1963 حتى عام 2009 ولا يمكن أن تتغير لو استمرت هيكلية المنظومة السياسية على حالها أن الناس هي التي تتغير، فمصالحها وأولوياتها هما اللتان تمليان عليهم نوع التغيير وطريقة الاصطفاف السياسي، ومسكين الدستور الذي كتب له أن يفسره كل منا على هواه بالضبط كما كان الوضع في أول فصل تشريعي، بل مسكين هذا الدستور أكثر وأكثر فإنه يفسر ألف مرة على هوى تغيير المواقف من نفس الأشخاص.

ولذلك فإن الفراسة السياسية والشجاعة في تبني المواقف تقتضي أن نرحم الدستور ونبعد شعارات المصلحة العامة والمحافظة على الديمقراطية ولا نحتمي خلف المبادئ البراقة لتبرير مواقفنا وآرائنا، فلكل زمان دولة ورجال!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top