أبعدت الحكومة الفالي فأفرحت طائفيي السنة، ومنعت العريفي من الدخول فأفرحت طائفيي الشيعة، وبينهما منعت أبوزيد فأفرحت الاثنين معاً، إذ يبدو أن الحكومة شرعت فعلاً في تطبيق مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص بين التيارات السياسية الدينية، «واحد واحد يا شباب، صفوا طابور، كلـُه حياخذ حقه، إلا إنت يا ليبرالي يا مدني ما لكش حق، اخرج بره الطابور وابكي زي ما أنت متعودة دايماً»، ولكن بمنعها د. مضاوي الرشيد، أستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة لندن، من دخول الكويت فإن الحكومة تخطت الحدود هذه المرة وأدخلت الـBig Brother في الطابور.
بعد النهج السابق، الذي مازال قائماً، بغلق أبواب البلد أمام رؤوس الأموال والسياح والعمالة الكفؤة، يتأسس الآن بنحوٍ مضطرد منذ السنة الماضية نهج جديد ومنظم لمحاربة الأفكار والآراء وغلق البلد أمام أصحابها، وهو نهج يبين مدى سذاجة تلك القرارات، فالحكومة تتعامل مع الأفكار والآراء وكأنها أجسام صلبة مخبأة في حقائب أصحابها يسهل ضبطها في جهاز الأشعة في المطار وإعادة شحنها، وكأننا لا نعيش في القرن الحادي والعشرين حيث تنفذ إلى البلد عبر وسائل الإعلام والاتصال، فها هي أفكار الفالي والعريفي تبث على الفضائيات واليوتيوب، واستطاع أبوزيد المشاركة بالندوة التي منع منها عبر الهاتف، وها هي د. الرشيد شخّصت ما وراء منعها في مقال قيم انتشر على الإنترنت بسرعة البرق، فما الذي جنته الحكومة إذن غير تكريس خضوعها وترددها والمجاملات المفضوحة، بل المثيرة للشفقة والتندر؟ الأهم من ذلك أن نعي أنه ما كان للكويت أن تكون رائدة في زمن مضى لو لم تكن منارة يقصدها الناس من كل مكان، ووعاء يستوعب جميع الأفكار مهما كانت غير مألوفة، وبمناسبة الشروع بمسيرة التنمية بعد إقرار الخطة، فإن بناء المدن والمجمعات يجب أن يصاحبه بناء المشاعر والانطباعات الإيجابية تجاهنا والتي تدفع الناس إلى المجيء إليها، ولكي نجذب رؤوس الأموال فإن علينا أن نكسب عقول الناس وقلوبهم أولاً، والأهم أن نكسب ثقتهم في كوننا دولة مؤسسات تتخذ القرارات فيها بموضوعية بعيداً عن العاطفة والحسابات السياسية اليومية، فكيف نجذب مستثمراً كبيراً إذا رأى التخبط والتردد في القرار الحكومي يهدد استقرار أمواله؟ وكيف نقنع طبيباً أو أستاذاً مرموقاً بالعمل لدينا إذا كان سيعيش تحت هاجس الإبعاد بسبب فكرة أو رأي؟ عندما أبعد الفالي إرضاء للسلف قيل إن الحكومة فتحت على نفسها باباً يصعب سده أمام التيارات الأخرى، ولكن يبقى ذلك شأنا داخلياً «نصطفل» فيه، أما وقد تخطت الحكومة الحدود الآن فإنها فتحت باباً خطراً يجعلنا عرضة لمزيد من التجاذبات والتدخلات الإقليمية، فالأسلم للحكومة هو أن ترفع الحرج عن نفسها أمام الآخرين بإعلانها عدم مسؤوليتها عن ممارسات فردية لحقوق مكفولة دستورياً، ومن يتضرر فلتلجأ سفارته إلى القضاء. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
بيغ برذر
18-02-2010