الكذابون وشواربهم!

نشر في 09-04-2010
آخر تحديث 09-04-2010 | 00:01
 حمد نايف العنزي كتبت قبل ثلاثة أعوام مقالا قلت فيه إنني «ضبطت نفسي وأنا أكذب، لا كذبة ولا اثنتين، بل من خمس إلى ثماني كذبات يوميا، بعضها أبيض وبعضها أسود، معظمها تدخل في باب المجاملات أو التخلص من موقف محرج، وقليلها لا في مجاملات ولا غيره، بل أسود ومنيل بستين نيلة!" وتساءلت يومها في نهاية المقال إن كان الجميع يكذب مثلي؟! نسيت هذا المقال وتذكرته قبل ثلاثة أسابيع وأنا أشاهد فيلم The Invention of Lying وترجمته «اختراع الكذب» وتجري أحداثه في عالم خيالي خال من الكذب، تملؤه الصراحة والصدق المتبادل بين الناس حتى أن كلمة «كذبة» لم تكن معروفة وليس لها معنى عندهم، حتى أتى «مارك» وبمحض المصادفة ليدخل مفهوماً جديداً على حياتهم، اسم هذا المفهوم «الكذب»، وفي عالم يصدق كل ما يقال، كانت قدرة مارك على الكذب خارقة للطبيعة، وأكسبته هذه القدرة منصباً رفيعا وثروة كبيرة بكل سهولة ويسر، ومكنته من أن يحوز قلب من يحبها، وأفاد من خلالها الكثير من الأصدقاء والغرباء، لكن بعد فترة خرجت الأمور عن سيطرته، وبدأ مفهوم الكذب بالتداول بين الجميع، وأصبح الكل يكذب ويتفوق على مارك فيه!

والمعنى الذي يقدمه الفيلم هو أن الكذب ليس ضارا في كل الأوقات، والشاعر العربي القديم الذي قال:

لا يكذب المرء إلا من مهانته         أو فعلة السوء أو من قلة الأدب

لبَعض جيفة كلب خير رائحة          من كذبة المرء في جد وفي لعب!

لم يكن محقا تماما، وكان على خلاف تام في الرأي مع «لابيش» الذي قال: "الكذب في بعض الحالات... من أقدس الواجبات"! وكذلك مع المثل الشعبي الذي يقول: «الكذب ملح الرجال!».

وهو ليس ملحهم فقط، بل عادتهم التي لا يستغنون عنها، وعلى ذمة الأستاذ مشعل السديري فإن هناك دراسة ميدانية أجريت في أميركا اتضح من خلالها أن 91% من الأميركيين يكذبون بانتظام في حياتهم اليومية، وأن نصف هؤلاء لا يشعرون بالخجل أو تأنيب الضمير بسبب أكاذيبهم المستمرة، بل إن بعضهم أكدوا أنهم لا يستطيعون الكف عن الكذب ولو ليوم واحد!

وقبل أيام نشرت الصحف استطلاعا للرأي جرى في بريطانيا، وأظهر أن البريطانيين يستمتعون بالكذب وأن معدل الكذب اليومي لديهم هو 4 مرات، وأن الكذبة الأكثر شيوعا هي أن هواتفهم خارج التغطية، وأن معدل كذب 4300 راشد بريطاني هو 1500 كذبة سنويا، وتبين في الاستطلاع أن واحدا من بين كل 6 ذكور يعترف بأن معدل كذبه يوميا هو كذبتان على زوجاتهم أو صديقاتهم في حين أن حوالي ربع الرجال قالوا إنهم كذبوا على الشخص الآخر المهم في حياتهم بشأن المظهر الجيد، وقال واحد من أصل 3 إنه غالبا ما يكذب بشأن وزنه!

ومعنى ذلك أن الجميع يكذب، وأن من يقول إنه لا يكذب هو أكبر الكذابين على الأرض، وإنما الاختلاف فقط في عدد الكذبات ولونها، ونوعية متلقيها!  ولذلك، حين يقول نائب طويل عريض لزميله: أنت كذاب! فيرد عليه الآخر: أنت الكذاب... والكذب في شواربك! فإنهما في الواقع يضحكان على نفسيهما وعلى الآخرين، فنحن نعرف أن كليهما يكذبان كما نكذب، وأن الكذب في الحقيقة هو في شوارب الجميع، وفي لحاهم أيضا، وأن ناخبيهما لا يهمهم كم عدد الكذبات في شارب كل واحد منهما، فهذا شأن عائلي بين النائب وشاربه، وكل ما يهم الناخب من عمل النائب هو تحسين وضعه المعيشي ومستوى الخدمات المقدمة له، فهلا أشاح كل منهما نظره عن شارب الآخر والتفت قليلا لمطالب الناخبين؟!

***

بالمناسبة... كان لبعض البدو طريقة في كشف الكذب يسمونها «البشعة»، حيث يلتقي المتخاصمان عند رجل يقال له «المبشّع» الذي يقوم بتسخين قطعة من المعدن حتى يصبح لونها كالجمر ليلعقها كل خصم، فمن كان صادقا فلن تضره، وأما من كان كاذبا فسوف تلتصق بلسانه! والسبب كما ظنوا أن الصادق يكون واثقا من نفسه فلا يجف ريقه ويبقى لسانه رطبا لذلك لا يتأثر بحرارة المعدن، أما الكاذب فنظرا لاضطرابه يجف ريقه مما يجعل المعدن يلتصق بلسانه!

نرجو تقديم مقترح بضرورة وجود «مبشّع» في المجلس لفض النزاعات المتعلقة بالشوارب وما تحتويه من أكاذيب في المرات القادمة!

back to top