قراءة مواد مشروع القانون في شأن إنشاء صندوق لمعالجة أوضاع المواطنين المتعثرين في سداد القروض الاستهلاكية والمقسطة تجاه البنوك وشركات الاستثمار، والذي وافق عليه مجلس الأمة في مداولته الثانية أمس الأول، تعطي الانطباع بأن مشكلة التعثر في سداد تلك القروض قد نتجت عن عدم التزام الجهات الدائنة بتعليمات البنك المركزي بشأن الحد الأقصى لنسبة القرض من الراتب، وأن هذه الجهات لم تأخذ في اعتبارها، وهي تقدر الحد الأقصى للقرض، احتمالات الزيادة في معدلات الفائدة، ومن ثم تجاوز الأعباء المستقبلية للقرض سواء من حيث النسبة أو مدة السداد لذلك الحد الأقصى، كما تعطي الانطباع بوجود خلل في آلية التنسيق بين المؤسسات المالية بشأن تداول البيانات المتعلقة بالقروض الممنوحة لعدد كبير من الأفراد.
فإذا كان هذا الانطباع حقيقيا أو صحيحا وينطبق على كل قرض استهلاكي أو مقسط من بين هذا العدد الهائل من القروض المتعثرة، التي تقدم أصحابها من المواطنين المتعثرين بطلبات إلى الصندوق منذ أن بدأ عمله وفق قانونه السابق في الربع الأخير من عام 2008، فإن سؤالين هامين يستحقان الطرح في هذا السياق، يتعلق الأول بمدى كفاءة النظام المالي الكويتي في إدارة عملية الائتمان، بينما يتصل الثاني بمدى كفاءة السلطة النقدية في ممارستها لأعمال الرقابة والتدقيق على أنشطة البنوك والمؤسسات المالية والتأكد من درجة التزامها بالتعليمات التي يصدرها البنك المركزي.وإذا ما افترضنا صحة الانطباع الذي يترتب على قراءة مواد القانون، الذي أحاله مجلس الأمة إلى مجلس الوزراء، بعد أن وافق عليه في المداولة الثانية 37 عضوا بينما رفضه 21 عضوا فقط وامتنع عن التصويت عضو واحد، وخاصة المواد 15 و16 و17، يصبح من المستحق أيضا التساؤل عن مدى العدالة في تحمل البنوك والمؤسسات المالية الدائنة دون الجهة الرقابية المكلفة بالإشراف على هذه البنوك والمؤسسات أعباء معالجة التعثر الائتماني للأفراد.المادة (15) تنص على انه «إذا كانت قيمة أي قرض استهلاكي أو قرض مقسط أو كليهما تم منحه من قبل الجهات الدائنة للعميل المتعثر قد جاوزت الحد الأقصى المقرر وفقا للمعايير والقواعد الواردة في القرارات والتعليمات الصادرة من البنك المركزي يتم استخدام الفوائد أو العوائد المستحقة على الزيادة التي تمت فوق الحد الأقصى للقرض اعتبارا من تاريخ منح هذه الزيادة في تخفيض الرصيد القائم من القرض»، وتعتبر هذه المادة ما تم تحصيله من العميل من فوائد أو عوائد عنها قبل العمل بالقانون دفعات نقدية تخصم من رصيد القرض لمصلحة العميل المتعثر، فإن ترتب على ذلك وجود فائض بعد تسديد كل رصيد القرض أعيد ذلك الفائض الى العميل.أي ان المادة (15) تحمل البنوك والمؤسسات الدائنة الأخرى تكاليف التعثر الائتماني بصرف النظر عن الشروط الواردة في اتفاقية القرض المبرمة بين الطرفين وما ترتبه من التزامات قانونية على المدين، وبصرف النظر عن عدم قيام السلطة النقدية بمهامها التي تستوجب التدخل في الوقت المناسب لردع الجهات الدائنة عن الإخلال بضوابط منح القروض الاستهلاكية والمقسطة وعلى مدى عدة سنوات.أما المادة (16) فتنص على انه «إذا كانت فترة سداد القرض الاستهلاكي أو القرض المقسط أو كليهما الذي منح من قبل أي من الجهات الدائنة للعميل المتعثر قد جاوزت الحد الأقصى المقرر وفقا للمعايير والقواعد الواردة في القرارات والتعليمات الصادرة من بنك الكويت المركزي أو تمت زيادة فترة سدادها بسبب زيادة الأعباء المالية بعد إبرام العقد بما يخالف تعليمات البنك المركزي خفضت فترة السداد إلى الفترة المحددة لتقسيط قيمة القرض الاستهلاكي أو القسط أو كليهما بشرط أن تبقى قيمة القسط الشهري بما لا يجاوز قيمته عند إبرام العقد وفق التعليمات المذكورة، فإن جاوزت ذلك بالمخالفة لتلك التعليمات أسقطت الزيادة في القسط الشهري من رصيد القرض.وربما تكون المادة (17) الخاصة بحالة ما إذا كانت الأعباء المالية على القرض الاستهلاكي أو القرض المقسط أو كليهما الذي منح من قبل أي من الجهات الدائنة قد تمت زيادتها عما كانت عليه وقت إبرام عقد القرض بالمخالفة للمعايير الموضوعة من البنك المركزي، هي المادة الأكثر منطقية بالمقارنة بالمادتين السابقتين، ولكن أيضا يبقى التساؤل بشأن دور الرقابة على الائتمان في ردع مثل هذه المخالفات مشروعا ومبررا.من جهة أخرى، لا أعتقد أن صياغة المادة (19) من القانون الجديد قد حالفها التوفيق، فهي قد تعطي انطباعا بأن مخالفة تعليمات البنك المركزي كانت أمرا جائزا أو مشروعا قبل هذا القانون، إذ تنص على أنه لا يجوز بعد هذا القانون مخالفة التعليمات والقواعد والضوابط التي يصدرها البنك المركزي بشأن منح القروض الاستهلاكية والقروض المقسطة، كما لا يجوز لأي من الجهات التي تقدم تسهيلات ائتمانية من خلال نظام البيع بالتقسيط للسلع والخدمات مخالفة التعليمات التي تصدرها وزارة التجارة والصناعة بهذا الخصوص.ولا أعرف مع شيوع ظاهرة عدم احترام القوانين واللوائح وضعف الالتزام بالتعليمات والضوابط التي اتسمت بها البيئة المحلية في السنوات الأخيرة، ما إذا كان مشروع القانون هذا يشكل حلا حقيقيا لمشكلة القروض الاستهلاكية والقروض المقسطة المتعثرة، أم هو مجرد نافذة ندخل منها إلى مشكلة ائتمان جديدة، كما عودتنا تجارب حلول سابقة!
مقالات
وجهة نظر : صندوق المتعثرين... معالجة حقيقية أم متعثرة؟
30-06-2010