زيادات الرواتب... والبنك الدولي!
منذ أسابيع بشرتنا الصحف بخبر رفض البنك الدولي أي زيادة جديدة على رواتب المواطنين الكويتيين العاملين في القطاع الحكومي، حيث أكد الخبر أن معدل الرواتب الحالي مناسب جداً مقارنة بإنتاجية الموظفين وبنسبة التضخم، وبالطبع، وكالعادة، كان الخبر مقصقصا مهذبا مختصرا على هيئة تصريح لأحد المسؤولين الذي لا يهم أن نذكر اسمه، ليس من باب الانتقاص من مكانته الشخصية، ولكن لأن هذا لن يقدم أو يؤخر شيئا، فتصريحات مسؤولينا «على قفا من يشيل»، ومن غير حساب، وبلا طائل في الغالب الأعم، وللتوضيح والتنبيه من البداية، فليس في نيتي اليوم المطالبة بأي بزيادة لرواتب قطاع بعينه، فلست معنياً بهذا الجانب في هذا المقال، إنما مقصدي الوقوف عند ناصية الخبر. معروف أن النتيجة الخارجة لا تقوم إلا على المعطيات الداخلة، ونحن كمتابعين لم تسنح لنا الفرصة للاطلاع على المعطيات والمعلومات التي وضعت في فم البنك الدولي حتى خرج بهذه النتيجة، لكن ما نعلمه يقينا، ولا أدري إن كان البنك الدولي يعلمه، هو أن سنواتنا القليلة الماضية، قد حفلت بزيادات سخية للرواتب لمصلحة قطاعات معينة، في حين تم تجاهل قطاعات عمل أخرى كثيرة، وأن هذا الانحراف غير المعياري، كان قد حصل مدفوعاً في أغلبه بالضغط السياسي وبالتهديد بالاعتصامات والإضرابات، أكثر من كونه مبنياً على دراسات أخذت في الاعتبار معدلات الإنتاجية والتضخم واستندت إلى مقارنات بسوق العمل الإقليمي والعالمي.
لذلك فعندما، تتذرع الحكومة بما قاله البنك الدولي من أن رواتب الموظفين الكويتيين مناسبة حتى تقفل هذا الباب، فالسؤال المباشر هنا هو عن أي قطاعات عمل يتحدث هؤلاء؟ هل يتحدثون عن تلك القطاعات التي جرت الزيادات المالية نحوها خلال السنوات الماضية بشكل خارج عن المعقول أحياناً، أم عن تلك القطاعات التي لم ينظر في سلم رواتبها منذ سنوات طويلة، ولم يكترث أحد بها لمجرد أنها لم تهدد بالإضراب أو الاعتصام ولم ترفع صوتها بالشكوى؟!إن هذا لا يصح على الإطلاق، فليس من المقبول وفقا لأي منطق وقوع الظلم على هذه القطاعات، وأن «تضيع بالرجلين»، لمجرد أن الحكومة قد استوعبت اليوم أنها كانت قد وافقت خلال السنوات الماضية على الكثير من الكوادر المالية، وأن هذا قد شكل عبئاً على الميزانية العامة! إن المنهج السليم، هذا إن كانت الجهات المسؤولة تكترث بمثل هذا الكلام أصلاً، يقتضي منها استخدام مسطرة واحدة عند التعامل مع الكوادر المالية المختلفة، ليكون بذلك منهجها ثابتاً متوازناً، فلا يصح لها على الإطلاق أن تعطي قطاعاً ما زيادات خيالية كل بضع سنوات، في حين لا تلتفت إلى قطاعات أخرى لسنوات طويلة، ولا أن تقرر اليوم أنها لن تعطي أحدا آخر أي زيادة، فليس من ذنب الموظفين في القطاعات التي تم تجاهلها ظلماً، أن تتحمل ضريبة اللعبة السياسية التي قادت الأمور! إن من الواجب على الحكومة، إن كان يقض مضجعها حقا تدني مستوى الإنتاجية للموظف الكويتي، وارتفاع تكلفة بند الرواتب وإرهاقه للميزانية العامة، أن توجد الحلول الحقيقية لها، وإغلاق باب الزيادة على الرواتب ليس من هذه الحلول إطلاقاً، لأن من حق الموظف في أي مكان في العالم أن يأخذ راتباً مجزياً عن عمله، يتماثل مع ما هو موجود في سوق العمل ويتناسب في ذات الوقت مع معدلات التضخم.إن من أول الحلول التي يجب على الحكومة أن تباشر في وضعها هو خلق آليات صحيحة لمتابعة إنتاجية الموظف الحكومي، وأن يرتبط هذا ارتباطاً حقيقياً بأدوات لتقييم الأداء والمكافأة والمحاسبة والعقاب وإجراءات لضبط التسيب والانفلات، وأن تشرع كذلك في الكفة الأخرى بمواجهة التضخم والغلاء المعيشي بإجراءات فعلية.إما أن تقوم الحكومة بدورها هذا على أكمل وجه، وإلا فلا يلومن أحد موظفي هذا القطاع أو ذاك، إن هم قرروا اللحاق بمن سبقوهم من موظفي القطاعات الأخرى التي نالت زياداتها عبر الإضرابات والاعتصامات، فقد قيل قديماً و»يفوز باللذات كل مغامر»، وفي حالتنا يفوز بها من يهدد ويتوعد ويزعق عبر الميكروفونات في الندوات والصحف!