مرة أخرى يفاجئهم النظام الإسلامي الإيراني من حيث لا يحتسبون، معلناً عن منشأة الفردوس النووية وهي الواقعة في قرية «فردو» المحصنة جبلياً والتي أعطت من أبنائها 151 شهيداً دفاعاً عن استقلال إيران، ومرة أخرى يفرض حقه في التخصيب، ومرة أخرى يتراجع الغرب عن مواعيده «المقدسة» أو ما يسميه بالفرصة الأخيرة لمصلحة الأجندة الإيرانية وبتوقيت ساعة طهران!

Ad

أذعنوا لمفاوضة إيران دولة نووية في الأول من أكتوبر في جنيف مكرهين، بعد أن فشل انقلابهم ضد نظام طهران في الثاني عشر من يونيو الماضي، وهم اليوم يستعدون لموعد التاسع عشر من أكتوبر الجاري مكرهين لتنظيم خارطة طريق تخرجهم من مأزق منشأة «فردو» المحصنة في بطون الجبال القريبة من مدينة قم المقدسة، ما اضطرهم للاستعانة بالبرادعي والوكالة الدولية من جديد!

فهم لم يكونوا يتوقعون أبدا فشل هذا الانقلاب بعد أن كانوا قد «أعدوا له كل العدة اللازمة، وأنه هذه المرة ستكون الخاتمة مع نظام طهران»، كما أبلغ أحد كبار المسؤولين العرب الرئيس نجاد، نقلاً عن ذلك المسؤول البريطاني والذي اضطر فيما بعد أن يذعن بفشل كل توقعاته وتوقعات شركائه في الخطة بصورة علنية بقوله العجيب: «ماذا نعمل إذا أصبح حتى الرب إيرانيا...»، كما جاء في حديث وزير خارجية الإمبراطورية العجوز لتلفزيون «فوكس نيوز»، معلقاً على التطورات غير المؤاتية التي أعقبت انتخابات الرئاسة الإيرانية!

من هنا فقد كان طبيعياً أن يفاجئهم جليلي في جلسة جنيف الصباحية، عندما سألوه عن إمكان مناقشة مقترحهم الشهير «وقف التخصيب مقابل وقف العقوبات»، بكلام صريح لا لبس فيه، بأنه لن يفاوضهم إلا على أساس رزمة مقترحات طهران الجديدة، ما دفعهم للتنادي لاجتماع سداسي جانبي عاجل، خرج المفاوض الإيراني على إثره إلى الحديقة الأمامية يتمشى ما دفع بسولانا لاستعجاله للعودة إلى طاولة المفاوضات، سائلاً إياه إن كان يهدف من وراء ذلك إلى «مركزة» أفكاره؟! ولمّا جاءه الرد بالإيجاب قال له سولانا «لكنك بالمقابل شتت أفكارنا يا سيد»!

وعليه، فإن ما لم يقبلوا به بالأمس في محطة «نطنز» بعشرين جهاز طرد مركزي، أصبحوا اليوم مذعنين له بسبعة آلاف جهاز طرد مركزي مضافاً إليه منشأة جديدة تستعد للعمل بما لا يقل عن ثلاثة آلاف جهاز بالإضافة إلى التفاوض مع طهران من أجل أخذ ما تخصبه في مفاعلاتها بنسبة تقارب الخمسة في المئة على أن تبيع لها يورانيوم مخصبا بنسبة عشرين في المئة لتشغيل مفاعل طهران للأغراض الطبية، وهو ما كانت طهران أصلا قد طلبته رسمياً من الوكالة الدولية للطاقة الذرية في رسالة خطية حتى قبل الاتفاق على اجتماعات جنيف، ذلك لأن الجهد المتطلب من طهران لإنتاج الكمية التي تحتاجها وبنسبة التخصيب المذكورة أعلاه، لتشغيل هذا المفاعل لإنتاج ما تحتاجه من مواد «راديو اكتيويورانيومية» للأغراض الطبية، لا يعتبر ذا جدوى اقتصادية!

هذه هي خلاصة نحو سبع سنوات عجاف حاول الغرب خلالها أن يجعل إيران «تمتثل» لشروطه ففشل وراحت جهوده كلها في مهب الرياح وتحولت إلى سراب!

لم يكن جليلي هو من طلب الاجتماع بوليام بيرينز، بل الثاني هو من طلب من الآخر ليستفسر منه إن كان بالإمكان أن تفتح بلاده فجوة في جدار عدم الثقة السميك، فما كان من جليلي إلا أن قال له إن الأمر في غاية البساطة، ألا وهو أن تقرنوا الأقوال بالأفعال بخصوص شعار التغيير الذي رفعه رئيسكم الجديد!

وهكذا طار منوشهر متكي إلى واشنطن ليتفقد مكتب رعاية المصالح الإيرانية فيها وليجتمع بعدد من أعضاء سابقين في الكونغرس لعل في ذلك بارقة أمل للأميركيين تغنيهم عناء القتال في أفغانستان والعراق والتآمر على الأحرار في لبنان وفلسطين محاولين عزلهم عن أشقائهم العرب والمسلمين!

ليس هناك في الأفق بين إيران والولايات المتحدة الأميركية أي صفقة من أي نوع كان، فإما الاستعداد لسحب القوات والرحيل ببعض ماء الوجه عبر التعاون والتنسيق مع قوى المنطقة الحية ودون أي شروط، وإما الحرب الطويلة الأمد والطويلة النفس التي ستجبرهم على التقهقهر ذليلين!

وأما ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، فإن نهاياته بالنسبة لإيران ليست إلا كما هي بداياته، أي العودة به إلى حيث هو مكانه الطبيعي أي إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية تماما كما أشار إلى ذلك الوزير العماني للشؤون الخارجية وإخراجه من دائرة التأزم التي كان السبب فيها، وحسب رأي الوزير المشار إليه، إنما هي الإدارة الأميركية السابقة ليس إلا، كما ورد في تصريحات له لجريدة «الحياة»!

سيقال من الآن فصاعداً كلام كثير عن مستقبل العلاقة بين واشنطن وطهران، وعن إمكان حصول اختراق قد تكون بعض تداعياته تخلي طهران عن طموحاتها النووية أو برنامجها النووي المعلن أو عن بعض تحالفاتها في المنطقة لاسيما التزاماتها الشرعية والقانونية تجاه فلسطين ولبنان، إلا أن الذين يعرفون كيف يصنع القرار في طهران يؤكدون أن كل ذلك ليس سوى أضغاث أحلام يحاول بعض الذين علقوا آمالا على ديمقراطية البغال أو الرشوة والمال لعل في ذلك ما يمنحهم أياماً إضافية في التمتع ببعض الخيال!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني