محمد الجاسم 
آخر فرسان الرأي!

نشر في 02-12-2009
آخر تحديث 02-12-2009 | 00:01
 أحمد عيسى حتى ظهر أمس، لم يطرأ أي جديد على قضية المحامي محمد عبدالقادر الجاسم، فهو لايزال رافضاً دفع الكفالة المالية التي قدرتها النيابة العامة للإفراج عنه، والشاكي لم يسحب شكواه، والنيابة العامة لم تغير قرارها.

السؤال، إلى متى سيستمر هذا الوضع؟

المحامي محمد عبدالقادر الجاسم رجل قانون وسياسي، وصاحب رأي، واتفاقي أو اختلافي معه ليس موضوعنا اليوم، ترأس تحرير جريدة «الوطن»، ارتبط بشكل أو بآخر بالشيخ علي الخليفة في عز اتهامه بالتعدي على المال العام، هو عراب الطبعة العربية من مجلة «نيوزويك»، كما رفع لاحقاً عبر موقعه الإلكتروني سقف النقد السياسي بالكويت، وكان واحداً من قلة تطرقوا للمسكوت عنه في عالم السياسة، وعلى الأخص صراع أبناء الأسرة والأقطاب، وسمى الأشياء والشخوص بمسمياتهم بجرأة، وخاض الانتخابات البرلمانية مرتين، وتعرض لأكثر من تهديد شخصي وإلكتروني، إلا أنه لايزال حياً يرزق وموقعه مفتوح على الشبكة الإلكترونية.

رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد لجأ إلى القضاء كأي مواطن يتمتع بميزة كفلها له الدستور، وهي حق التقاضي، ووجه اتهاماً للجاسم بالسب والقذف، على خلفية ما ذكره الجاسم بحقه في إحدى الندوات، وهي تهمة لا علاقة لها بقانون المطبوعات والنشر، وبعدها السياسي يكمن بطبيعة طرفيها، الشاكي والمشكو في حقه.

النيابة العامة استدعت الجاسم، وفتحت معه محضر التحقيق، فرفض الإجابة عن الأسئلة وتمترس خلف هذا الحق القانوني، لإيمانه بأن الجريمة التي اتُّهم بها تحمل بعدا سياسيا، ثم أفرجت عنه النيابة العامة بموجب كفالة مالية قدرت بألف دينار كويتي، فرفض دفع الكفالة بعدما رفض الإجابة عن أسئلة وكيل النيابة، ولايزال الوضع على ما هو عليه منذ أكثر من أسبوع.

آراء عديدة قيلت في القضية، أبرزها ما جاء في بيان جمعية المحامين الكويتية بأنه «أخلي سبيله بكفالة مالية عالية غير مبررة ولا تتناسب مع مجريات التحقيق»، وكذلك ما تعلق بإساءته لوضع الكويت أمام المنظمات الدولية المعنية في الصحافة وحقوق الإنسان، وأمام هذا كله يبقى السؤال قائما، وماذا بعد ذلك؟

حينما قرر «أبوعمر» ممارسة حريته بالتعبير، كان مدركا أن رفعه سقف ممارسته لحريته يرفع بالتبعية سقف مساءلته، وحينما قرر ألا يجيب عن أسئلة النيابة العامة، وبعدها رفض دفع الكفالة، كان ملماً بأنه يمارس حقا أصيلا كفله له الدستور والقانون، وهذا الوضع سيستمر حتى يدفع الكفالة أو تغير النيابة العامة قرارها، وعدا ذلك سيبقى رهن الاحتجاز، ليس لأنه سجين رأي، بل لأنه متهم بالسب والقذف ورفض دفع الكفالة التي قررتها النيابة العامة.

خطورة ما يحدث اليوم، أن الحشد وإظهار ما يتعرض له أصحاب الرأي، متى ما قدمت بحقهم شكاوى وقضايا جنائية وشخصية، على أنه قمع وحجر على حرية التعبير، أمر غير مقبول، ولا يستقيم في بلد قانون، كما أن فيه استغفالا وتسطيحا لجوهر القضية وهو أن القانون والقضاء هما الفيصل، ولأن المشكو في حقهم يمارسون حقهم، وعليه فنحن غير مطالبين بدعمهم أو الوقوف خلفهم، لأن قراراتهم خاصة بهم، مثلما قراراتنا.

ما يحدث مع محمد عبدالقادر الجاسم اليوم، وما سبق أن حدث مع زايد الزيد قبل شهرين، وقبلهما خالد الطاحوس وضيف الله بورمية خلال الانتخابات الأخيرة، وبينهما الحديث عن ضغوط تمارس على المدونين، والتطرق للموضوع من زاوية وجود رغبة بتحجيم حرية التعبير، أغلبها مسائل ذات طابع شخصي، وبعضها اتهامات وفرضيات دون أسانيد، لأن أي اتهام يمر عبر قنوات قانونية، وينظره القضاء أو تحفظه النيابة العامة لعدم جديته أو انتفاء التهمة.

إن محاولة إخراج ما يحدث في إطار التقييد على الحرية أو الحجر على الرأي، غير مقبول إطلاقا، خصوصاً ممن يفترض بهم حماية القانون وقيادة المجتمع، لأن الحرية يقابلها مسؤولية، ولا يجوز بأي حال التمتع بأقصى حد للحرية دون وجود أدنى قدر من المسؤولية، كما لا يجوز إطلاقا أن تعطي الصحافة للمشتغلين فيها حصانة غير قابلة للمساس، بل على العكس يجب عليهم مثلما عبروا عن آرائهم بجرأة أن يبرئوا أسماءهم من الشخصانية، تقديراً للمجتمع والرأي العام.

back to top