البيبليوثيرابي 
التداوي 
بالقراءة

نشر في 16-02-2010
آخر تحديث 16-02-2010 | 00:00
 طالب الرفاعي كلمة بيبليوثيرابي (Bibliotherapy) تعني حرفياً التداوي بواسطة القراءة، وتاريخياً أصبحت هذه الكلمة مفهوماً متداولاً وقاراً في علم المكتبات، في الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 1931، وهي تُعدُّ بمنزلة تضميد ومداواة جراح الإنسان الروحية والنفسية بواسطة القراءة. وقد عُرف هذا النوع من التداوي في الحضارات القديمة، إذ حفظت مكتبات المعابد المصرية القديمة على جدرانها عبارات مثل: «هنا علاج الروح»، والمفهوم ذاته بدلالته الواضحة موجود في الحضارات البابلية والأشورية، وكذلك اليونانية والرومانية.

يبدو الأمر أقرب إلى المزحة، بالنسبة إلى البعض، في حال قدم طبيب وصفة دواء لمريض، قائلاً له: «عليك بقراءة الكتاب الفلاني، ثلاث جرعات في اليوم، مدة كل جرعة نصف ساعة». لكن واقع الحال الإنساني تاريخياً وواقعاً راهناً يثبتان أن الأمر جدٌ صحيح.

أن ما يبدو للبعض كمزحة للوهلة الأولى، هو عين الصواب بالنسبة إلى أطباء متخصصين، وآلاف البشر ممن خمش وجع عابر أو مستقر، وجوه أرواحهم، وترك فيها خدشاً أو جرحاً غائراً، بات هاجسا مؤلما يقيم بين جوانحهم.

لقد غدا التداوي بالقراءة فرعا من فروع المعرفة العلمية الإنسانية، وهو بالتالي خاضع لأصول تحتم على الطبيب المعالج، معرفة الكتاب المناسب لمعالجة المريض، وبما يتناسب وحالة المريض الجسدية والنفسية والتعليمية، ووعيه الثقافي والأدبي.

العلاقة بين الإنسان والفن، كانت على الدوام مصحوبة بشيء من السحر، فما الذي يجعلنا نتمايل طرباً مع نغمٍ دون آخر؟ وما الذي يجعل أرواحنا تستكين تجاه لونٍ بعينه؟ ولماذا تطفر الدمعة من أعيننا حيال لقطة تلفزيونية أو سينمائية عابرة؟ انها قدرة الفن والأدب على أن يلامس في أرواحنا نقاطا بعينها فيحركها ومن خلال حركتها تحدث تغيرات نفسية وفسيولوجية، تأخذ الإنسان للحظات خارج سجن حلقة الزمان والمكان اللذين يعيش فيهما، وتنقله الى معايشة عوالم أخرى، كفيلة بالمسح على نتوءات روحه، وترميم جزء من معاناته ووجعه الخاص، وبما يعود ببعض الهدوء والسكينة على عالمه الداخلي.

جاء في سورة الإسراء: «وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين». وأظن أننا نحبس عن الآية الكريمة شمولية معناها ووقعها الإنساني العظيم.

حين يظن البعض أن ما جاء في القرآن هو خاص بشفاء ورحمة أرواح المؤمنين من المسلمين، لكنني أرى أن المقصود بكلمة المؤمنين، هو كل من آمن بقدرة الكلمة على شفاء روحه. وتَوَجَه لها بنية خالصة، لنيل الشفاء ومن ثم التمتع بالرحمة والسكينة.

يعيش إنسان اليوم لحظة تاريخية صارخة بتعقيداتها وأمراضها، وسرعة جريان الاكتشافات التقنية في أوردة لحظاتها. وفي ظل هذه المعطيات، ليس لنا إلا أن نلجأ إلى سحر القراءة الجميل، عله يقدم لنا شيئاً من هدأة نفس، ينشدها الجميع، ويسعى إليها كلٌ بطريقته. 

back to top