لا يمكن تصديق أن الولايات المتحدة عاجزة عن أن تُلزم القوى السياسية العراقية المتناحرة تشكيل الحكومة التي مرَّت على محاولات تشكيلها، منذ الانتخابات النيابية الأخيرة، قرابة أربعة أشهر، فأميركا لا تزال دولة محتلة ومعظم هذه الكيانات التي تستعرض عضلاتها الآن هي بالأساس صناعة أميركية، اللهم باستثناء التشكيلات الكردية وبعض التنظيمات التي ولدت وتربَّت في الحاضنة الإيرانية.

Ad

غير معروف بالضبط ماذا فعل نائب الرئيس الأميركي جون بايدن خلال الأيام التي أمضاها في بغداد، على الرحب والسِّعة، لكن حتى أصحاب أنصاف العقول لا يمكن أن يصدقوا أنه عاد إلى بلاده بخفي حنين، وأنه فشل في إلزام نوري المالكي أنه يكفيه السنوات الأربع التي أمضاها في الحكم، وأن عليه وفقاً لمبدأ "التداول" أن يتنحى ليحل محله آخر، سواء من حزبه وتحالفه أو من ائتلاف "العراقية" الذي يقوده الدكتور أياد علاوي.

إنه لا يمكن، وعلى الإطلاق، تصديق أن الولايات المتحدة، التي نصَّبت "كرزاي" رئيساً في قصر الرئاسة في كابول رغم أنوف كل الأفغان، بكل مللهم ونحلهم، عاجزة عن أن تفرض وجهة نظرها وبقوة وجودها العسكري على هذه المكونات العراقية المتناحرة، مما يشير إلى أن هناك "أجندة" مخفية للأميركيين في هذا البلد الذي بقي منذ إسقاط النظام الملكي في عام 1958، ما إن يخرج من حلقة نارية ملتهبة حتى يدخل حلقة نارية جديدة أشد التهاباً وإلا ما معنى أنْ يتصرف الأميركيون بهذه الطريقة، بينما العراق ذاهبٌ إلى التمزق والانقسام بخطى متلاحقة سريعة.

لقد اشتهر الأميركيون بأخذ ما يريدونه من بلد معين، ثم بعد أن يحققوا ما يريدونه يتركونه لمصيره وللأقدار، وهذا ما كان حدث مع أفغانستان، إذ بعد هزيمة الاتحاد السوفياتي وانسحاب جيوشه انسحبوا من هذا البلد وتركوه للمصير الذي انتهى إليه، حيث أصبح قاعدة للإرهاب، وأصبح يُحكم من قبل حركة طالبان التي لم يعرف التاريخ الإسلامي الطويل مثلها كحركة رجعية دموية.

إن هذا الكلام يجب أن يُقال للأميركيين، ويجب أن يقال لهم أيضاً إن تعاملهم مع العراق بهذه الطريقة الاستنكافية سيعطيه كلقمة سائغة لإيران، وسيجعل منطقة الشرق الأوسط كلها، ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، مجالاً حيوياً لحراس الثورة، وعندها فإن المصالح الحيوية الأميركية في هذه الرقعة الممتدة من جبل طارق في الغرب حتى بحر قزوين في الشرق ستصبح تحت رحمة دولة الولي الفقيه لا محالة.