آخر وط لم يفت الاوان!

نشر في 04-09-2009
آخر تحديث 04-09-2009 | 00:01
 مسفر الدوسري قريةُ تبعد عن مدينة الطائف في السعودية حوالي 200 كم شرقا، يقطنها قليل من إحدى القبائل الشهيرة، في هذه القرية الكل يعرف الكل ويمت له بصلة ما، يعيشون حياة بسيطة تقاوم مد المدنيّة القادم إليها ويحاصرها من كل الجهات، ومازالت هذه القرية تقاوم زحف الحياة المدنية، بالرغم من أن الأخيرة نالت الشيء الكثير من مظاهر هذه القرية وسطحها الخارجي، فإنها لم تصل بعد إلى الكثير من نفوس الناس وجوهرهم الداخلي بعد، وبساطتهم وعفويتهم.

وليست المدنيّة وحدها المصيبة التي تشغل بال هذه القرية منذ سنوات طويلة، وليست تلك حربها الوحيدة، بل هناك حرب أخرى لا تقل شراسة وهوادة عنها!

إنها الحرب ضد قصة الحب التي تجمع منور ومزنة!.

منذ سنوات قليلة ولدت قصة الحب هذه، وسرعان ما انتشرت بين بيوت القرية، وأصبحت محور أحاديث الرجال في مجالسهم وسخطهم، ومحل تندر النساء وغيرتهن، بل إن أطفال القرية كثيرا ما تغنوا ببراءة بيضاء عن تلك المشاعر العارمة التي جمعت منورومزنة.

في مثل هذه القرى لا توجد أسرار صغيرة يمكن إخفاؤها تحت الوسائد، ولا في الصناديق الخشبية العتيقة، كل الأسرار منشورة على حبل ضوء القمر، معروضة للنسائم والرياح، تُسلّم كل قصص القرية بما فيها من أسرار إلى قبضة الليل ليسلّمها بدوره إلى قبضة النهار حين يتسلم منه ورديّة اليوم، ويسلّمها الصباح بدوره إلى يد الليل الذي يليه ضمن العهدة، وهكذا..! إلا أن هذا ليس سبب انتشار قصة العشق التي جمعت منور ومزنة، إن الذي ساهم في انتشار القصة، العاشقان أنفسهما، فمنذ اندلاع شرارة العشق الأولى لم يحاولا إخفاءها أبدا، بل على العكس من ذلك تماما، راحا يبشّران بها، ويحكيان تفاصيلها لكل مَن صادفهما، من ناس، وجدران، وطرقات، وأوراق شجر، وأجنحة عصافير، ولم يقل حماس مزنة عن حماس منور في التغني بهذا الحب، ونشر تفاصيله.

يأتي منور عند باب مزنة في مختلف الأوقات على مرأى من كل أهل القرية ويجلس أمام بابها، وتجلس مزنة على الأرض أمامه يتبادلان كلمات العشق والوله والقصائد المشتعلة بالعواطف الدافئة، وكأنما هما يحاولان تعويض سنين العمر الفائت كله، واسترجاع كل لحظة ضاعت منه بدون أن تجمعهما معا، ومن المارّة من يضحك بسخرية منهما، ومنهم من ينهرهما، ومنهم من يتندّر، ومنهم من يدعوهم إلى اتقاء الله!

وبالرغم من أن عقلاء القرية حاولوا كثيرا ثنيهما بالكلمات القاسية غالبا، والكلمات اللينة أحيانا، فإن ذلك لم يحدّ من عواطفهما الجارفة أبدا، بل إن ذلك جعلهما يزدادان إصراراً على مواقف قلبيهما، إلى أن أصبحت قصة الحب هذه أمرا واقعا بالنسبة للقرية كلها، ومصيبة لا يمكن ردّها.

ما زاد الوضع تعقيدا، وشلّ أيادي أهل القرية من التصرف هو أن عمر مزنة يناهز السبعين، وعمر منور حوالي التسعين!

العائق الوحيد أمام اكتمال هذه القصة بالزواج هو تهديد ابن مزنة الوحيد بحرق نفسه كما فعل أخوه الأكبر إن هي تزوجت منور!

السؤال الذي أحرق ذهن أهل القرية هو كيف للحب أن يطرق أبواب هذين القلبين الكهلين؟!

back to top