غصباً على الوقت
أياً يكون قرار المحكمة الإدارية الأربعاء المقبل في دعوى المواطنة شروق الفيلكاوي، عبر محاميتها النشطة العنود الهاجري، ضد وزارة العدل لرفض طلبها لشغل وظيفة وكيل نيابة لأنها أنثى، فإنه سيكون الخطوة الفعلية الأولى في طريق الحصول على هذا الحق واكتمال عقد السلطات الدستورية الثلاث بتولي المرأة القضاء بعد دخولها الوزارة والبرلمان، فما نحن أمامه الآن يخرج القضية من محيط النقاش العام ويضع القضاء الإداري- وربما الدستوري لاحقاً- أمام مسؤولياته في تطبيق الدستور والالتزام بقانون تنظيم القضاء الذي لم يشترط الذكورة في تعيين وكيل النيابة.
إن دخول المرأة إلى القضاء هو الخطوة المنطقية القادمة بعد التقدم الذي أحرزته خلال السنوات الخمس الماضية بممارسة العمل السياسي وغيرها من مكتسبات تحققت بإسقاط المحكمة الدستورية بعض القوانين المخلة بمبدأي العدالة والمساواة، لذلك فإن حصول المرأة على حق تولي القضاء هو استمرار لتعبيد الطريق إلى تحقيق المساواة كحق إنساني ودستوري. ولن تكون الكويت الأولى في تلك الخطوة، فقد سبقتها 14 دولة عربية وإسلامية غيرها لمن أراد المزايدة في الدين لحجب هذا الحق عن المرأة، ومنها دول خليجية (البحرين والإمارات وقطر) لمن يتذرع بالعادات والتقاليد. وقبل أن يقفز أحد ويقول إننا لسنا معنيين بما يجري في الدول الأخرى، أبشره بأن إدارة الفتوى والتشريع- محامي الحكومة في دعوى الفيلكاوي- سبقته إلى ذلك، إذ ذكرت في دفاعها الآتي (القبس 5 أبريل 2010): «أما عن الانسياق بلا عقل مستنير وراء تجارب الدول العربية أو الإسلامية في شأن تولي المرأة سلك القضاء فهي ليست قدوة، وفتاواها تختلف عن فتاوى دولة الكويت، ومحيط شعب الكويت يختلف عن محيطهم، وما هو صح عندهم ليس بالضرورة أن يصح في الكويت» ولكن في الفقرة التالية لها تستنجد بحكم للقضاء الإداري المصري لتدعيم حجتها. لست قانونياً، ولكن بدا لي ذلك تناقضاً وانتقائية، ناهيك عن صدور الحكم المصري قبل 57 عاما، متجاهلة التطورين الاجتماعي والإنساني منذ ذلك الزمن،وإن ما يسقط هذا الدفاع، وأتمنى أن تتفق معي المحكمة، هو أنه يخلص إلى عدم المواءمة وأن الوقت غير مناسب لتولي المرأة القضاء، ما يقلل من أهمية حجتها الدينية الأولى بعدم الجواز، كما أن المكتسبات التي حققتها المرأة محلياً وعالمياً في التاريخ المعاصر تدحض حجة عدم المواءمة، ومن لديه شك فليستذكر كل مرة قيل للمرأة «لم يحن الوقت المناسب» بدءاً بالتعليم ومروراً بالعمل والسفر والقيادة والعمل السياسي، فما إن يكسر الحاجز في كل مرة حتى تفند تلك الحجة ويركنها مستخدموها في المخزن إلى أن يأتي الحاجز التالي.إن كان لنا في تاريخ الحركات النضالية والحقوقية درساً، فهو أن الوقت لا يحين من ذاته، بل تفرض الأمم واقعها عليه، فإن رضي الوقت تكيّف ومضى، وإن «زعل» فسيمضِ أيضاً ولن يستطيع التوقف... «مو بكيفه».