السفيرة الأميركية ما بين القطط والكلاب والأسود والذئاب!

نشر في 17-09-2009
آخر تحديث 17-09-2009 | 00:00
 د. ساجد العبدلي لطالما شكلت مسألة اختلاف معاني الألفاظ والأشياء بحسب اختلاف الثقافات هاجسا عند الشركات والمؤسسات والهيئات الكبرى التي تعمل حول العالم، لذلك نجد، منها اهتماما كبيرا بأسماء منتجاتها حتى لا تقع في الحرج عند تسويقها هنا أو هناك، ولطالما وجدنا أسماء مختلفة لنفس المنتج في أماكن مختلفة بسبب هذا الأمر.

وممن يهتمون بمسألة الثقافات وبشكل كبير كذلك وزارات الخارجية في مختلف الدول، لذلك نرى فيها إدارات مختصة بمسألة البروتوكولات والإتيكيت الدبلوماسي والطبائع والثقافات المختلفة لدى الشعوب، وكل ذلك حذر أن يقع ممثلو الدولة في تصرف يساء فهمه من الدولة الأخرى، ومن ذلك طريقة السلام والأكل والملبس وماهية الألفاظ والموضوعات الصالحة للتداول، وغيرها، وذلك بحسب كل دولة وثقافة وديانة.

ما نشرته الصحف منذ أيام وانتشر على نطاق واسع، وبالأخص على مواقع شبكة الإنترنت، عن إطلاق السفيرة الأميركية ديبورا جونز لمزحة «سمجة» أثناء إلقائها لمحاضرة في مؤسسة الشرق الأوسط في واشنطن في أغسطس الماضي، حين كان الحديث عن وصول النائبات الكويتيات الأربع إلى البرلمان وأنهن بمنزلة (الفور كاتس) أي القطط الأربع، لتتساءل السفيرة: وهل بقية أعضاء المجلس من الكلاب؟ هو أمر في حقيقته لا يخرج عن دائرة ما ذكرته أعلاه، فمن يطلع على الثقافة الأميركية، التي هي ثقافة شائعة لا يكاد أحد يجهل خطوطها العريضة على الأقل ومنها هذه الجزئية، يعلم أن لفظي القط والكلب لا يستخدمان للشتم والتحقير، بل هما لفظان دارجان ومحببان عند الأميركيين، فلا يكاد بيت يخلو من قط أو قطط أو كلب أو ربما كلاب، وكم من زوج أميركي تخلى عن زوجته لأجل كلبه، ومن زوجة قاضت زوجها وتطلقت منه لأجل قطتها!

كما ذكرت، هي نكتة سمجة، وسقطة ثقافية من سفيرة يفترض أنها محترفة تستند إلى مستشارين متخصصين بهذه المسائل، وبالتالي كان يفترض بها أن تدرك أن مدلولات كلمة «الكلب» في الثقافة العربية، هي مدلولات شائنة، وأن العربي يقبل أن يقال عنه أسد وفهد وذئب وحصان وصقر، ولكن يرفض أن ينعت بالكلب والتيس والحمار والدجاجة والخروف، بالرغم من أنها كلها في نهاية المطاف حيوانات، لكن في ثقافتنا العربية ليست كلها سواء، وكان يفترض بمعالي السفيرة أن تدرك هذا، وألا تقع في هذه الغلطة الساذجة!

لكن في المقابل، فإن الثورة العارمة التي واجه بها نوابنا الأفاضل هذه المسألة، تخرج عن نطاق المعقول، ولعلي أستذكر هنا حكمة وعمق نظرة الخليفة المتوكل في بغداد يوم جاءه الشاعر علي بن الأجهم من البادية، وكان بدويا لم ير غير الصحراء والغنم، فأنشده قصيدة ابتدأها بقوله:

أنت كالكلب في حفاظك للود *** وكالتيس في قراع الخطوب

فهمَّ به القوم، فمنعهم الخليفة وقال اتركوه، وأسكنه في دار على شاطئ دجلة بها بستان يأتيها النسيم العليل صباح مساء لستة أشهر، وطلبه بعدها فأنشده قصيدة تعد اليوم من أجمل عيون الشعر العربي حيث قال في مطلعها:

عيون المها بين الرصافة والجسر *** جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

نوابنا الأفاضل، الأمر لا يستدعي كل هذا الغضب، ولا يستحق أن تطالبوا بطرد السفيرة، فواضح أنها لم تقصد أي إهانة لأحد، بقدر ما أنها وقعت بسذاجة في خطأ «ثقافي»، لا يستحق منها الآن سوى الاعتذار، ويبدو أنها شرعت في ذلك فعلا من خلال حركتها الدؤوبة لتوضيح موقفها بين الديوانيات، ويا ليتكم عوضا عن ذلك تنصرفون لتلك الأجزاء الأكثر أهمية التي وردت في محاضرتها، خصوصا عن سياسة الكويت الخارجية، والمعونات المهولة التي ندفعها للولايات المتحدة على هامش حرب تحرير العراق!

انسوا الموضوع يا نوابنا الأفاضل، واقبلوا اعتذار السفيرة ودعوها تسكن في البستان «الكويتي» لبضعة شهور أخرى وستتعلم، وأظنها ستنشدكم بعدها قائلة:

«يا أسود الوغى... يا فهود الجبال... يا جياد الفيافي والقفار.. ويالله صبوا هالقهوة وزيدوها هيل»!

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top