مخطط اغتيال القيادي بحركة "حماس" في دبي ليس بالمشروع الصهيوني الجديد في سياسة إرهاب الدولة التي تمارسها إسرائيل على مدى ستين سنة وبالتأكيد لن تكون الأخيرة من نوعها، ولكن المفارقة في الجريمة الأخيرة تكمن في بعدين جديدين؛ الأول، أن الحكومة الصهيونية قد تجرأت وتطاولت على حلفائها الغربيين ووضعت دولاً أوروبية وأميركية وأستراليا عدة على خازوق الإحراج السياسي من خلال التغلغل في عمق أجهزتها الأمنية والسيادية وتزوير جوازات سفر رسمية لفريقها الإرهابي.

Ad

ويكمن البعد الثاني في الاختراق الإسرائيلي لمنطقة الخليج التي أبدت بعض دولها المرونة السياسية فيما يعرف بالخضوع للأمر الواقع والاعتراف بالكيان الصهيوني عبر بوابة التطبيع، ولو الشكلي،  ومن خلال فتح مكاتب تجارية حيث يمكن للإسرائيليين زيارتها بجوازاتهم الخاصة ناهيك عن المزورة!

وجريمة اغتيال المبحوح في دبي بحد ذاتها كشفت المستور في وجود خطير للجواسيس الإسرائيليين وبجوازات مزورة من دول أوروبية في عموم منطقة الخليج، والإعداد لمشاريع ومخططات إجرامية مستقبلية بينما الحكومات المحلية في سبات أمني وسياسي عميقين.

ولا يهمنا في هذا الصدد آلية الجريمة السياسية للكيان الصهيوني، فأي طفل مدلل تفتح له أبواب اللهو ومقومات العبث ويكافأ على كل حماقة يرتكبها، من الطبيعي أن يستمر في الغطرسة والتمادي، وهذا هو حال إسرائيل منذ زرعها في خاصرة العالم العربي، ولكن ما يجب تسليط الضوء عليه هو ردود الفعل العالمية والخليجية والعربية تبعاً لمنطق العلاقات الدولية الحديثة!

فلو جريمة المبحوح كانت قد نفذت بواسطة دولة عربية وبهذا الكم الهائل من الجوازات المزورة، لكان مجلس الأمن عقد بالتأكيد وبدعوة أميركية، اجتماعات عدة لتفعيل "الفصل السابع" من ميثاق الأمم المتحدة، وهو إعلان الحرب عليها، ولو كانت حكومة عربية قد اغتالت رمزاً سياسياً في دولة شقيقة لقطعت معها العلاقات الدبلوماسية لسنوات، ولكن في المقابل أجمعت الدول العربية على ضرورة استئناف المفاوضات المباشرة مع تل أبيب وأرغمت محمود عباس للانصياع لهذا الأمر!

أما لندن وبعراقتها التاريخية التي كانت بمنزلة الكرة السحرية في التجسس على مدى 500 سنة وغربلتها إسرائيل في عقر دارها وأصدرت جوازات سفر حقيقية على أرضها، فاكتفت بطرد أحد موظفي السفارة الإسرائيلية في بريطانيا.

والأميركيون بدورهم أرادوا عمل "قرصة أذن" لنتنياهو بشأن المستوطنات ومحاولات تهويد القدس على الأرض عبر تصريحات الاستياء والإدانة، لكن سرعان ما تراجعت الإرادة الأميركية على لسان وزيرة الخارجية كلينتون واعتبار أمن إسرائيل والتحالف الاستراتيجي معها خطاً أحمر لا تمحوه زلات اللسان المصطنعة!

أما النتيجة المضحكة المبكية لهذا التسلسل في الأحداث الأخيرة، أن إسرائيل فرضت شروطها وأوامرها بشأن المفاوضات مع الفلسطينيين بسحب كلامهم حول وقف الاستيطان الجديد وفي القدس تحديداً، ومعاقبة التصريحات الأميركية والأوروبية وحتى الأمين العام للأمم المتحدة بأن مثل هذه المفاوضات ستجمد لمدة عام كامل!

وللعرب نقول بعيداً عن تصريحات الشجب والاستنكار والتنديد والإدانة ونرجوهم عدم التلويح باستخدام القوة واللجوء إلى الحرب من جديد، ولكن نتمنى منهم هذه المرة فقط أن يسمعوا كلام اليهود ويطيعوا أوامر نتنياهو بتجميد المفاوضات والمصافحات وتبادل القبل ولو لسنة واحدة، ولا يستجدون الوساطة الأميركية لتغيير موقف رئيس الوزراء اليهودي من تعليق هذه المفاوضات لعل وعسى يكون في ذلك خير وصلاح لسمعتهم وقضيتهم وفي ظل وزنهم الحالي في معادلات العلاقات الدولية الراهنة!