قد لا يكون المصباح الكهربائي هو أول ما يخطر على البال حين نفكر في التكنولوجيا الثورية، ولكن العلم والسياسة الذكية لديهما القدرة في عالم اليوم على تحويل أي أداة منزلية عادية إلى إبداع ثوري.

Ad

قمت أخيراً بزيارة إلى مشروع طموح لتعزيز الإنارة الموفرة للطاقة في الصين. وتتوقع الصين، من خلال التخلص التدريجي من مصابيح الإضاءة المتوهجة العتيقة الطراز وتقديم جيل جديد من الإضاءة، أن تتمكن من خفض استهلاكها الوطني من الطاقة بنسبة 8 في المئة.

وقد يخلف هذا أثراً عميقاً على الصعيد العالمي، إذ إن الإضاءة تمثل 19 في المئة من الاستهلاك العالمي للطاقة، ويقول العلماء إننا نستطيع أن نخفض هذه النسبة إلى الثلث أو أكثر بمجرد تغيير مصابيح الإضاءة العادية.

إن مثل هذا التطور الكبير من شأنه أن يسلط الضوء على واحدة من العديد من السبل التي قد تسمح للناس العاديين والشركات بخفض استهلاكها للطاقة والحد من غازات الاحتباس الحراري العالمي، وهو يؤكد الدور الأساسي الذي تستطيع الحكومات- بل ويتعين عليها- أن تلعبه في الترويج للاقتصاد الأخضر وتعزيزه. كما يسلط الضوء على المسؤولية الخاصة التي تتحملها حكومة الصين لحمل لواء القيادة في الكفاح العالمي ضد تغير المناخ.

إن الصين واحدة من البلدان صاحبة الاقتصاد الأسرع نمواً على مستوى العالم، وفي العام الماضي أصبحت أيضاً الدولة الأولى على مستوى العالم من حيث حجم غازات الاحتباس الحراري التي تطلقها، ومن الأهمية بمكان بالنسبة الى العالم أن تتبنى الصين سياسات مستدامة في التعامل مع الاقتصاد والطاقة، السياسات القادرة على خفض الانبعاثات وتقليص الفقر. والسبيل الرئيسي إلى تحقيق هذه الغاية يتلخص في منح الأولوية للطاقة النظيفة، وهو ما من شأنه أن يعمل على خلق فرص عمل جديدة، وتشجيع الإبداع، وتمهيد الطريق أمام عهد جديد من الرخاء العالمي. إن من يشرعون في سلوك هذا المسار في وقت مبكر سيحصدون المكافآت، وسيكون لهم الفوز في السوق العالمي. وبتوزيع ثمار الرخاء بشكل عادل فإن هذا من شأنه أيضاً أن يعزز الاستقرار في الداخل.

لا جدال أن الصين أصبحت اليوم قوة عالمية، ومع القوة العالمية تأتي مسؤوليات عالمية، ومن دون مشاركة الصين فلن يتسنى لنا النجاح هذا العام في التوصل إلى إطار عمل جديد في التعامل مع مناخ العالم، ولكن مع الصين فإن إمكانات التوصل إلى اتفاق في كوبنهاغن تصبح هائلة.

في الثاني والعشرين من سبتمبر سأعقد قمة لزعماء العالم لدراسة التحديات -والفرص- التي نواجهها في إطار الإعداد لمؤتمر كوبنهاغن.

في قمة مجموعة الثماني التي استضافتها إيطاليا هذا الصيف، تم الاتفاق على خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 80 في المئة بحلول عام 2050. ولقد رحبت بهذا الاتفاق كثيراً، غير أنني أكدت أيضاً أنه لا يكفي. فلكي نتمتع بالمصداقية يتعين علينا أن نُـقرِن الأهداف الطموحة طويلة الأمد بأهداف طموحة متوسطة الأمد، وسأكرر هذه الدعوة مع تحديد خطوط أساسية واضحة في سبتمبر.

سأؤكد أيضاً الدور الحاسم الذي تستطيع القوى الاقتصادية النامية الرئيسية أن تلعبه في المفاوضات: البرازيل، والهند، والمكسيك، وجنوب إفريقيا، وربما في المقام الأول من الأهمية، الصين.

لقد سبق للصين بالفعل أن خصصت جزءاً لا بأس به من إنفاقها على التحفيز الوطني لمجالات مثل الطاقة المتجددة والنمو الاقتصادي الأخضر. ولقد تحولت الصين إلى دولة رائدة على مستوى العالم في مجال طاقة الرياح وتكنولوجيا تخزين الطاقة الشمسية، إن قيمة قطاع الطاقة المتجددة النشط في الصين تقترب من 17 مليار دولار، ويوظف هذا القطاع حوالي المليون عامل.

وهذا في الحقيقة أمر مثير للإعجاب، ولكنه مجرد بداية، فالصين على سبيل المثال لديها ما يكفي من موارد الرياح لتوليد قدر من الكهرباء أعظم مما تستخدمه حالياً.

ولنتخيل معاً الاحتمالات والإمكانات، لنتخيل أن الصين نجحت بفضل استخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية في فطام نفسها عن الفحم، المسؤول عن 85 في المئة من انبعاثاتها الكربونية، إذا نجحت الصين في تحقيق هذه الغاية فإن هذا يعني أن العديد من أجزاء العالم الأخرى قادرة على القيام بالمثل، وبهذا فإن الصين ستخدم كنموذج وقدوة، ليس فقط للدول النامية، بل والعالم بأسره أيضاً.

يتعين علينا أيضاً أن نتكيف مع التأثيرات المناخية التي بدأت بالفعل في إحداث الخراب والدمار، خصوصاً في أقل بلدان العالم تقدماً، إن برامج التكيف والتأقلم تساعد في تعزيز قدرتنا على الصمود في مواجهة تغير المناخ. ومع المضي قدماً على هذا المسار فلابد أن تشكل هذه البرامج جزءاً من الكيفية التي سنتعامل بها مع قضية التنمية على نحو مختلف، إن جهود التخفيف والتكيف تشكل وجهين لعملة واحدة: فأي من الجهدين لا معنى له من دون الآخر، ولابد أن تكون الجهود على الجانبين على رأس أولويات كل حكومات العالم.

إن كنا قد تعلمنا أي شيء من أزمة العام الماضي، فهو أن مصائرنا مترابطة، وكما قال وِن جيا باو رئيس مجلس الدولة الصيني في وقت سابق من هذا العام، «إن قضايا مثل تغير المناخ تؤثر مباشرة على قدرة الجنس البشري على البقاء، ولا يمكن لأي بلد أن يكون بمنأى عن هذه التحديات أو ينجح في التصدي لها منفرداً، ويتعين على المجتمع الدولي أن يكثف سبل التعاون والاستجابة في نفس الوقت».

ونحن نقترب من كوبنهاغن فمن واجبي أن أحث الصين على الاضطلاع بالمزيد من المسؤوليات العالمية التي تصاحب وضع القوة العالمية بالضرورة، وأطلب من الصين أن تعمل من أجل المصلحة العالمية العامة، إلى جانب مصلحتها الوطنية، وكما عبر رئيس مجلس الدولة الصيني وِن جيا باو فإن المصلحتين يشكلان أمراً واحداً في نهاية المطاف.

إننا بتغيير مصباح إضاءة، وتغيير أسلوبنا في التفكير، قادرون على تغيير العالم.

* بان كي مون | Ban Ki-moon ، أمين عام الأمم المتحدة منذ 1 يناير 2007 ووزير خارجية كوريا الجنوبية سابق.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»