في عدد "الجريدة" الصادر بتاريخ 1 فبراير 2010 كتب السيد جومو كوامي سندارام مقالاً رائعاً ومهماً بعنوان "إعادة النظر في مسعى الحد من الفقر" تناول فيه تجارب الخصخصة في بعض الدول الإفريقية والآسيوية، وتكمن أهمية مقال سندارام في جانبين: الأول هو أن كاتبه يشغل حالياً منصب الأمين العام المساعد للأمم المتحدة لشؤون التنمية الاقتصادية، لذلك فهو حتماً على اطلاع تام بحكم منصبه على الكثير من المعلومات والحقائق التي ينقلها لنا بكل حيادية وموضوعية.

Ad

 أما الجانب الآخر فيكمن في توقيت المقال، إذ إنه يأتي في الوقت الذي يدفع فيه البعض لدينا بحماس شديد يثير أكثر من علامة استفهام للإسراع في نقل ملكية الدولة في بعض القطاعات الحيوية مثل البترول والتعليم والصحة والإسكان وغيرها إلى القطاع الخاص، مما يعني تقييد دور الدولة والاعتماد على آليات السوق لتوجيه عملية التنمية غير عابئين بالتجارب المأساوية الكثيرة التي نتجت عن إطلاق يد السوق من دون ضوابط، وإلغاء أو تقييد دور الدولة، وهو ما سيوقعنا في مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية عانتها دول كثيرة سبقتنا في تبني الخصخصة، خصوصا أن القطاع الخاص لدينا يعاني مشاكل بنيوية معقدة وكثيرة.

لذلك فإنني أستميح القارئ الكريم عذرا في اقتباس بعض فقرات قصيرة من مقال السيد "سندارام" لعل ذلك يجعلنا نتمهل قليلاً قبل الوقوع في مشاكل تنموية نحن في غنى عنها. فماذا يقول السيد "سندارام"؟

"يبدو أن التفاوت بين الناس كان في ارتفاع أثناء العقود الأخيرة على المستوى الدولي وفي أغلب البلدان، ذلك أن أكثر من 80 في المئة من سكان العالم يعيشون في بلدان، حيث الفوارق في الدخل آخذة في الاتساع، وتؤكد الإحصاءات أن أفقر 40 في المئة من سكان العالم يحصلون على 5 في المئة من الدخل العالمي، في حين أن أغنى 20 في المئة يحصلون على 75 في المئة من الدخل العالمي".

لماذا يا سيد "سندارام"؟

لأن "هذا السجل الملتبس للحد من الفقر يشكك في فعالية التوجهات التقليدية، فقد نصحت البلدان بالتخلي عن استراتيجيات التنمية الوطنية لأجل العولمة، وتحرير السوق والخصخصة، وبدلا من إنتاج نمو سريع مستدام وتحقيق الاستقرار الاقتصادي تسببت مثل هذه السياسات في جعل البلدان أكثر عرضة لتقلبات التمويل الدولي وعدم الاستقرار العالمي، وهو ما أصبح أكثر تكراراً وأشد حدة نتيجة لإلغاء القواعد التنظيمية".

وما الدرس المستفاد من ذلك يا سيد "سندارام"؟

"الدرس الأكثر أهمية هنا يتلخص في الحاجة إلى النمو السريع المستدام والتحول الاقتصادي البنيوي، ويتعين على الحكومات أن تلعب دوراً تنموياً إلى جانب تنفيذ سياسات متكاملة مصممة لدعم الإنتاج الشامل ونمو الوظائف فضلا عن الحد من عدم المساواة وتعزيز العدالة الاجتماعية".

وماذا بعد؟

يقول السيد سندارام: "على النقيض من ذلك كان الإصرار على تقييد دور الحكومة والاعتماد على السوق من الأسباب التي أدت إلى انحدار في الاستثمار في البنية الأساسية العامة".

هذا هو ما يقوله الأمين العام المساعد للأمم المتحدة لشؤون التنمية الاقتصادية عن بعض تجارب الخصخصة، وهو قول وجيه يجب التمعن في معانيه ومقاصده ولعله من حسن حظنا أن هناك تجارب عالمية كثيرة في موضوع الخصخصة من المفترض دراستها والاستفادة منها، على أنه من المهم التأكيد، مرة أخرى، أن الخصخصة لا تعني بالضرورة عملية النقل الكامل للملكية من القطاع العام إلى القطاع الخاص بل إن لها أشكالاً وأنواعاً متعددة، بعضها مطبق في الكويت منذ فترة طويلة جدا ومنها موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص (ppp)، وهو ما يفترض أن يتم تعزيزه في المرحلة القادمة.