في الذكرى الثانية والستين لقيام إسرائيل، وفقاً للتقويم العبري، اقتبس بنيامين نتنياهو في تصريحاتٍ، أطلقها في هذه المناسبة، كلاماً كان قاله مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هيرتسل في عام 1901 جاء فيه: "لا تثقوا بالغرباء ولا تتوقعوا أن تلين الحجارة، لأن الغرباء يمنحون صدقات مهينة، ولأن الحجارة لا تلين"، وحسب المراقبين فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي قصد بكلامه هذا الرئيس الأميركي باراك أوباما على خلفية الضغط الذي واصل ممارسته على الإسرائيليين لحملهم على إيقاف أنشطتهم الاستيطانية، ليصبح بالإمكان استئناف مفاوضات العملية السلمية.

Ad

ولعل لون أوباما الأسود هو الذي جعل بنيامين نتنياهو يطلق عليه وصف الغرباء الـ"غوييم"، فالإسرائيليون يتحاشون كثيراً إطلاق هذا الوصف العنصري على الأوروبيين والأميركيين، وهم منذ أُنشئت لهم هذه الدولة في هذه المنطقة كمشروع استعماري قد خصصوا وصفهم هذا للفلسطينيين والعرب ولأهل هذه المنطقة، وللشعوب التي تعتبر وفقاً للتَّعنصر الغربي في درجة أقل مستوى قياساً بالشعوب البيضاء الغربية.

في كل الأحوال فإن ما يمكن استنتاجه من هذا الكلام، الذي قاله رئيس وزراء هذه الدولة التي لولا الغرباء الـ"غوييم" لما قامت ولما رأت النور، هو أن إسرائيل باتت تعيش أزمة وجود حقيقية، وهو أنها غدت تتصرف بكل هذا النزق لأنها أصبحت تدرك هذه الحقيقة، لكن حتى تكون هذه النهاية قريبة فإن على الفلسطينيين والعرب أن يتصرفوا بالمزيد من الحسابات الدقيقة والمزيد من المسؤولية، فالسياسات الرعناء والعشوائية هي التي رسَّخت جذور هذه الدولة في هذه المنطقة، وهي التي جعلتها تنتصر في كل حروبها، وجعلتها تتوسع باستمرار إلى أن احتلت فلسطين كلها بل واحتلت فوقها جزءاً من أراضي بعض الدول العربية.

كان على نتنياهو، قبل أن يستنجد بخرافات هيرتسل و"هذياناته" ليشتم أوباما، وإن بطريقة غير مباشرة، أن يتذكَّر أنه لولا أميركا لما كانت هناك دولة إسرائيل ولكان هو نفسه مجرد موظف صغير في إحدى الدول البعيدة جدّاً عمَّا يعتبره الإسرائيليون: "الأرض الموعودة"، وأنه لولا الدعم الأميركي المتواصل لما استطاعت هذه الدولة التي تملأ العالم عرْبدةً البقاء لحظة واحدة.

إن دولةً أصبح على رأسها هذا الثنائي بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان لابد أن تكون نهايتها قريبة، والمسألة هنا ليست مسألة أشهرٍ وأسابيع بل مسألة عشرات الأعوام، فالدول حسب نظرية ابن خلدون كالأشخاص العاديين تبدأ عقلانية، ثم مرحلة الطفولة ثم تأخذ بالنضوج تدريجياً، لكن الواضح أن إسرائيل قد أمضت كل هذه الأعوام دون أن تصل إلى هذه المرحلة، أي مرحلة النضوج، والدليل هو أن الذين انتهت إليهم قيادتها هم هذه المجموعة من المتطرفين والزعران.