خذ وخل : المسلسلات والكليبات ديوان العرب (2-2)


نشر في 09-09-2009
آخر تحديث 09-09-2009 | 00:01
 سليمان الفهد • والمؤسف أن التميز والمفاضلة بين مصنفات ديوان العرب الجديد؛ صارت تكمن في وفرة حضور «الإع.. لانات» أكثر من حضور مشاهد المسلسل! ذلك لأن المعلنين يحفلون بشهرة أسماء نجوم من الجنسين، ولا يهتمون بمحتوى المسلسلات التي يجترها المؤلفون سنة تلو أخرى؛ اتكاء على نجاح مسلسل ما، لسبب أو لآخر! فيعمدون إلى استنساخ أجزاء ثانية وثالثة منه اعتمادا على مقولة «الجمهور عايز كده» وهي فرية كاذبة يدلل عليها هروب المشاهدين من ركام المسلسلات التي بثتها الفضائيات في هذا الرمضان.

وفي العدد الأخير من مجلة «القاهرة» المصرية الصادرة أول سبتمبر الجاري، ثمة كاريكاتير يختزل رد فعل المشاهدين تجاه مسلسلات رمضان يتبدى فيها الجمهور العرباوي يشخر، وفي سابع نومة بينما شاشة التلفزيون مكتوب عليها اسم المسلسل العربي! فعلى الرغم من مضي النصف الأول من شهر رمضان فإنه لم يحظ مسلسل ما بالجماهيرية المعهودة التي تنالها بعض مسلسلات رمضان، ونحن لا نملك الجرأة على إيقاف المسلسل الفاشل الرديء، بعكس ما يفعله الغربيون الذين يبادرون إلى إحالته إلى الاستيداع حالما يشعرون أن ترمومتر المشاهدة هبط إلى القاع والحضيض ربما لأنهم موقنون بأن المسلسل والبرنامج الفاشلين يقدمان دعاية سيئة مضادة للسلعة المراد تسويقها وترويجها.

إن مقولة «الجمهور عايز كده» فرية وأكذوبة أشاعها تجار «الفن» الفج المعلب وسط جمهور أثبت مرارا رفضه لمنطق «عايز كده» رغم الأمية الفنية الثقافية المستحوذة على الكثيرين منه! فهذا الجمهور المفترى عليه بفرية «عايز كده» اتضح أنه «مفتري» هو الآخر؛ حين يجابه المسلسلات الفجة، والأفلام الرديئة، بالانفضاض عنها، واختيار لعب الطاولة في المقهى، أو الجلوس مع العيال وأمهم بالمنزل توفيرا لفلوسه، أما إذا كان قد تورط في المشاهدة فإنه لا يتورع عن هتاف «سينما أونطة» هاتوا فلوسنا! والمؤسف أن الهتاف «حصري» وخاص بمنتجي السينما لا التلفزيون! لحسن حظهم (المنتجين لا المتلقين).

• والحق أن الجمهور الذي «عايز كده» هو فصيلة المنتجين الجدد الذين لا يملكون من عدة وعتاد وخبرة المنتج سوى النقود والرغبة العارمة في اقتحام عالم الفن والفنانين! وقد صار مألوفا لدى الجمهور المتهم بالأكذوبة إياها أن يحجم عن مشاهدة أي عمل درامي فج، فتجد أن دور العرض السينمائية الرديئة خالية من الرواد غالبا، اللهم إلا أؤلئك الراغبين في أخذ تعسيلة نوم وقيلولة هنية وسط التكييف ذي البرودة المفضية إلى الارتماء في أحضان سلطان النوم، لممارسة قزقزة «اللب والفشار» مع الملائكة! الأمر الذي يدعونا إلى القول إن الكثير من الجمهور يرتادون السينما لداعي النوم في العسل، وبدافع القيلولة ساعة الظهيرة! ذلك أن استجابة النوم التي يجابه بها رواد السينما عملا دراميا رديئا لهي خير دليل على افتراء مقولة «الجمهور عايز كده»!!

وها نحن نتجاوز النصف الأول من رمضان دون أن يحظى ركام المسلسلات والبرامج بالنجاح المأمول، ربما لأن المنتجين لا يكتشفون قدوم رمضان بتاريخ ثلاثين شعبان! وكأن الرؤية الإبداعية الإنتاجية مرتبطة عضويا برؤية الهيئة الشرعية لهلال رمضان! على الرغم من أن رمضان يأتي كل سنة بالضرورة.

من هنا يغلب على إنتاج المسلسلات والبرامج التلفزية الرمضانية «السلق» وعدم الإتقان في شتى مناحي الفعل الإنتاجي، فتراهم يطبخونه ويسلقونه على نار سريعة تحرق طبخة المسلسل ونجومه وكواكبه! خذ عندك مثلا إنتاج التلفزيون المصري لخمسين مسلسلا رمضانيا، والمؤسف القول في هذا السياق هو أن الدراما غابت وغُيبت، وحضرت الإعلانات، أما جمهور المتلقين فقد سبقت الإشارة إلى رد فعله.

رحم الله الأيام الخوالي التي كانت تخلو فيها شوارع القاهرة، وغيرها من العواصم والحواضر العربية من جراء بث المحطات التلفزيونية لمسلسل للأستاذين المبدعين: محفوظ عبدالرحمن، وأسامة أنور عكاشة، شفاهما الله ومتعهما بالعافية الإبداعية، ولولا حضور قانون المسموع والمرئي ومصادرته التعسفية لبعض البرامج والمسلسلات لمر المولد الدرامي والبرامجي لشهر رمضان من دون أن يشعر به أحد سوى معشر المنتجين والمعلنين فقط لا غير!

وقد نستثني القلة القليلة من دراما رمضان، لكون التعميم هو الآخر ظالم ومتعسف! وكما يقول المثل الشعبي: «لو خليت خربت» الشاهد أن مسلسل المصادرة والمنع المتواتر عبر أصفاد و»كلبشات» قانون المرئي والمسموع هو أفضل مسلسل شهدته الخريطة البرامجية الرمضانية ولا فخر!

من هنا يمكن الحديث عن مسألة أن الرقيب العتيد «عايز كده»، أما الجمهور المفترى عليه، فقد صار يعرف ما يريد، لكن أصحاب الشأن لا يعرفون سوى أكل الكتف، دع عنك رقابة المجتمع المتعسفة، لأنها قضية أخرى! وما بين رقابة المجتمع إلى الرقابة الرسمية، فيا قلبي لا تحزن بل الطم على ديوان العرب الجديد!

back to top