آمال: اللهم لا تشفني

نشر في 11-09-2009
آخر تحديث 11-09-2009 | 00:00
 محمد الوشيحي الله لا يبتليكم كما ابتلاني، آمين... عندما يشب حريق في مكان ما، يلتفت الناس كلهم إلى الحريق، وهذا هو المنطق، و»من تمنطق تزندق» على رأي دراويش الموالد، بينما ألتفت أنا إلى مكان آخر في اتجاه آخر! أتفحص وجوه الناس، مثلاً، لأرى ردود أفعالهم.

نسهر في حفلة، خارج الكويت طبعاً، فيشد انتباه الأصدقاء ما يدور على المسرح، بينما أركّز أنا على تعبيرات الجراسين، وطريقة تفاهمهم بعضهم مع بعض، وهي متعة لذيذة لو تذوّقها أحدٌ مَرّة لأعاد الكرّة. هذا يغمز لذاك في اتجاه إحدى الطاولات، وذاك يتخانق مع زميله بصمت على خدمة أحد الزبائن ثقال الجيوب خفاف العقول. أو ستجدني أراقب وجوه الفرقة الموسيقية، فهذا متحامل على نفسه، ويعزف بلا مزاج، كما يبدو على وجهه، وبالتأكيد لديه مشكلة مالية أو عائلية، والآخر يبدو أنه انضم حديثاً إلى الفرقة ويريد تثبيت نفسه واستعراض مهاراته، فهو ينزّ عرقاً لكنه لا يبالي ويواصل عزفه، وهكذا.

ويشاهد الناس المسلسلات والأفلام، فيتابعون الحوار، ويركزون على الكلمات التي تخرج من فم الممثل، بينما أتقمص أنا دور المخرج وأراقب تعبيرات وجه الممثل الآخر، الذي يستمع لحديث زميله، وتجدني منشغلاً بتفاصيل وجهه، وهل هي تناسب ما يقوله الممثل الآخر أم لا، ثم هل أجاد الممثل المتحدث تحريك عينيه وشفتيه وجسمه ويديه أم أنه «كَرَّ» ما هو مكتوب في الأوراق من دون الانفعالات الصحيحة، وهل اختيار المخرج والمؤلف لمكان الحدث كان صحيحاً أم خاطئاً...

ومن رحمة الله بي وبالناس أنني لم أتجه إلى الإخراج. يا الله، كانت كارثة ولا تشيرنوبل. سيبكي المنتج دماً وألماً، وسـ»يبيع حالو ومحتالو» لإنتاج مسلسل محلي، فلن أقبل أي ممثل يقل كفاءة عن روبرت دينيرو أو آل باتشينو أو ميل غيبسون. معلش اللي أوله شرط آخره نور. لكنني سأرحم المنتج وأقبل أن يحل محل أحدهم النجم المصري العظيم الذي لم يأخذ حقه كما يجب، خالد صالح، وأجزم أنّ مخرجي هوليوود لو شاهدوا أداءه لتكالبوا عليه كما يتكالب الأفغان على أكياس الطحين التي تتبرع بها الدول، ولناموا أمام باب بيته خطباً لودّه. لكن الدنيا حظوظ وعقول، والدليل: لاحظ كميات الشهد والعسل والكافيار التي يتناولها عمرو دياب بصوته الفقير، قبل أن ينام على فراشه الوثير في فيلّا أهداها إليه تاجر أو أمير، في حين يتناول الفنان السعودي محمد عمر، رغم صوته الرخيم، كمياتٍ من جبن «المش» والشعير، وينام في العراء على حصير، في البرد الزمهرير والقيظ والهجير.

«مراقبة ما لا يستحق» مرض متعب منهِك، ولله المشتكى، وأسأل الله ألا يعافيني منه. آمين. 

back to top