سبقتنا دول كثيرة في تبني سياسة «الخصخصة» (التحويل الكامل للملكية) التي عادة ما يتم تصويرها على أنها هي «السحر» الذي سيحقق الرفاه السريع والحياة الرغيدة والتطور المبهر، لكن الواقع يبين أنها قد ساهمت، في بعض الدول التي تبنتها، في ازدياد معدلات البطالة وانتشار الفقر والفساد وارتفاع الأسعار واختلال التوازن الاجتماعي نتيجة ازدياد الفوارق الطبقية (أقلية ثرية جدا يقابلها طبقة عريضة فقيرة جدا مع الاضمحلال التدريجي للطبقة الوسطى)، فضلا عن التأثير السلبي في عملية التمثيل الديمقراطي السليم.

Ad

وتعتبر مصر من أولى الدول العربية التي تبنت الخصخصة، وهناك الكثير مما يمكن قوله في هذا الشأن ولكن يكفي فقط أن نعرف أن تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية لعام 2009 قد ذكر أن معدل الفقر العام في مصر قد وصل إلى 41% من إجمالي عدد السكان، بينما تشير بعض تقارير البنك الدولي إلى أن المعدل قد تعدى نسبة 52%.

وهنا لعله من المفيد التوقف سريعا أمام ما قاله وزيران كانا مسؤولين عن تطبيق الخصخصة التي بدأت في مصر منذ نحو أربعة عقود، وهي آراء لها وجاهتها نقتبس بعضها كما وردت في مقالة طويلة ومهمة للكاتب المصري الأستاذ سعد هجرس بتاريخ 24 مايو 2009 كتبها بعد حضوره مائدة مستديرة عقدها «مركز توثيق النشاط الاقتصادي» في الجامعة الأميركية بالقاهرة في بداية شهر مايو 2009 عن سياسات وممارسات الخصخصة في مصر. يقول عبدالهادي قنديل وزير البترول والثروة المعدنية ورئيس الهيئة المصرية العامة للبترول الأسبق أثناء حديثه عن الخصخصة في قطاع البترول «إن فكرة الخصخصة، عندما بدأ الترويج لها، كان المفهوم منها التخلص من شركات القطاع العام الناجحة أولا، وقد اعترضنا على هذا المفهوم منذ البداية، فطالما أن هناك شركة ناجحة فلماذا نهدمها؟! وبعد عام 1973 فتحنا الباب أوسع وأوسع للقطاع الخاص وقلنا: من يريد أن ينشئ شركة فليتقدم، والدولة لابد أن يكون لها كلمة في ضبط السوق والدفاع عن احتياجات الناس، لكننا للأسف الشديد فقدنا دور الدولة، وفقدنا قدرتها على التدخل لأنها فقدت الآليات التي تمكنها من ذلك». وأضاف «وإذا كان هناك اتجاه لتشجيع الخصخصة فإن السوق موجود أمام القطاع الخاص فلينشئ ما شاء من شركات جديدة، لكن التطبيق العملي يقول لنا قصة أخرى: فأول شيء يفعلونه هو أن يأخذوا العمالة التي دربناها، كما سمعنا عن فضائح كثيرة منها أن يباع مصنع بمئة مليون جنيه ويقوم من اشتراه بهذا المبلغ الزهيد ببيعه بألف مليون بعد بضعة شهور!». أما المهندس محمد عبدالوهاب وزير الصناعة الأسبق فقد أكد من جانبه «أن سؤال لماذا نقدم على الخصخصة؟ لم يكن مطروحا ولم يكن مطلوبا الإجابة عنه»! ثم يضيف «سألنا البنك الدولي: لماذا نخصخص؟ أجابوا: لأن القطاع الخاص أكثر كفاءة ولا نريد الدخول في جدل عن سبب عدم ربحية القطاع العام، فأغلب من يتكلمون في هذا الموضوع لا يعلمون الحقيقة، فإذا كان الهدف هو تمكين القطاع الخاص للقيام بدور أكبر فهذا هدف لا خلاف عليه، لكن هناك هدف أكبر من ذلك هو أن اقتصادنا ضيق جدا ويحتاج إلى توسع ولن يتحقق ذلك ببيع نفس العمارة المأهولة بالسكان من فلان إلى علان، فهذا البيع- حتى لو تحسن المبنى- لن يزيد عدد الوحدات السكنية، وبينما كان المفترض أن يكون هدف السياسة الاقتصادية هو التوسع الأفقي. قلنا لهم: سيبوا اللي ماشي ماشي وضعوا استثمارات القطاع الخاص في أنشطة جديدة، فكيف نأخذ المدخرات ونضعها في مشروعات قائمة بالفعل؟!»، ثم أضاف «نحن لسنا ضد الخصخصة إذا كانت تعني دوراً قياديا للقطاع الخاص بفكره وفلوسه... لكن هذا ليس هو ما حدث، بل إن الذي حدث وصل إلى حد «الفضيحة» في بعض الأحيان، كما هي الحال مع قطاع الإسمنت الذي أصبحت اليد الطولى فيه للأجانب».

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة