الإعلام والانتخابات

نشر في 15-11-2009 | 00:00
آخر تحديث 15-11-2009 | 00:00
 ياسر عبد العزيز ليس أفضل من أخبار النزاعات والحروب والانتخابات محكاً لقياس مدى كفاءة وسائل الإعلام وقدرتها على الوفاء بالمعايير المهنية في عملها، خصوصاً أن تلك الأحداث تتسم بقدر كبير من الزخم، وتحتشد بها عوامل الصراع والمنافسة، وتتعدد الأطراف الفاعلة فيها وتتضارب مواقفها وحججها، وتمثل ميداناً خصباً لظهور أنماط الانحياز من قبل الإعلاميين والوسائل التي يعملون لها.

لذلك فقد كان مهرجان القاهرة للإعلام العربي، في دورته الخامسة عشرة، التي بدأت يوم الأربعاء الماضي، موفقاً حين خصص الندوة الأولى من الندوات التي تقام على هامشه، لمناقشة موضوع «الإعلام والانتخابات»، خصوصاً أن عدداً من الدول العربية المهمة فرغ للتو من تنظيم استحقاقات انتخابية حيوية، أو يوشك على دخول المعترك الانتخابي، سواء على صعيد انتخابات الرئاسة أو البرلمان أو المحليات.

ولعل تلك الأهمية الكبيرة لموضوع الندوة كانت سبباً في حرص وزير الإعلام المصري أنس الفقي على حضورها، حيث شارك في المناقشات، طارحاً أسئلة جوهرية على الخبراء المشاركين مفادها: «هل نحتاج إلى تشريع جديد لضمان التزام كل الأطراف بالمعايير المهنية للتغطيات الإعلامية للانتخابات؟ وهل تكفي مراقبة منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية لهذه التغطيات لضمان نزاهتها؟ وهل يمكن أن نكتفي بالتعويل على الضمير المهني للإعلاميين؟ أم نحتاج إلى تشريع أو تنظيم جديد لضمان التزام تلك التغطيات الإعلامية بالمعايير المهنية؟».

وقد شارك في هذه الندوة، التي توزعت على جلستين، وأدارها الإعلامي المميز عبداللطيف المناوي رئيس مركز أخبار مصر، عدد من الخبراء المتخصصين؛ منهم صالح القلاب وزير الإعلام الأردني الأسبق والكاتب في «الجريدة»، ود.عبدالمنعم سعيد رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، ود.أحمد بهجت رئيس تلفزيون «دريم»، ونبيل الخطيب مدير الأخبار بقناة العربية، ود.سامي عبدالعزيز أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إضافة إلى كاتب هذه السطور.

وظهر اتجاه واضح بين معظم المداخلات يشير إلى صعوبة فرض المزيد من الرقابة عبر إصدار تشريعات أو تنظيمات وقيود جديدة، لكن ثمة من رأى أن التغطية الإعلامية للعمليات الانتخابية في العالم العربي تحتاج إلى قدر من التوازن بين الحرية والمسؤولية، ضارباً الأمثلة ببعض التغطيات المنحازة لعدد من الفعاليات الانتخابية العربية.

وقد لخص كاتب هذه السطور رؤيته إزاء الموضوع المثار في تأكيده بأن التغطية الإعلامية للفعاليات الانتخابية العربية لا تعمل في فراغ، لكنها تنشط في سياق يتصل بدرجة التطور الديمقراطي في المجتمع، وكفاءة المرفق الانتخابي نفسه، وقدرة النظام العام ونزاهته.

فإذا كان الإعلام الحر الشفاف المهني ضمانة رئيسة لنزاهة أي عملية انتخابية، وآلية رقابة أكثر فاعلية وتأثيراً ربما من غيرها من الآليات، فإن هذا الإعلام لا يمكن أن ينهض بدوره على نحو مرض من دون توافر الحد الأدنى من الضمانات السياسية والاجتماعية والقانونية المؤثرة في العملية الانتخابية.

أما ما يمكن أن يسهم في تدعيم التغطية الإعلامية للعمليات الانتخابية في المجتمعات العربية بشكل يعضد تلك العمليات ويحسن أداءها ويقترب بها من نظيراتها في المجتمعات المتقدمة سياسياً وإعلامياً، فليس سوى عملية متشابكة، ينهض بها عدد من الفعاليات التي تعمل وفق تنسيق وتنظيم وتفاعل خلاق.

لن تستطيع أي وسيلة إعلامية مهما امتلكت النوايا الحسنة والإمكانات المادية تأمين تغطية إعلامية تتمتع بالنزاهة والحياد والموضوعية من دون أن تمتلك «أدلة إرشادات تحريرية»، تحوي كل المعايير التي يجب الالتزام بها عند التعاطي مع قضايا شائكة على الصعد المهنية والإخلاقية، خصوصاً ما يتصل منها بقواعد التثبت من الأخبار، والتزام الدقة، وكفاءة اختيار المصادر، والعدالة في انتخاب الحجج المهمة وتوزيعها في القصص والتقارير، ومراعاة الخلفية والسياق، والوفاء باحتياجات الجمهور والتزام أولوياته.

وفي الوقت نفسه لن تستطيع أي منظومة إعلامية ضمان تحقيق الحد الأدنى من الجودة في الأداء من دون امتلاكها مدونة أخلاقية ومسلكية، يجمع عليها أعضاؤها، ويلتزمون بها، ويتدربون على الوفاء باستحقاقاتها، ويتقبلون العقوبات الأدبية والمعنوية أو التنظيمية التي يمكن أن تقع عليهم في حال تخلوا عنها في الميدان العملي بسوء نية وعن قصد.

ويبقى أيضاً أن اللجان العليا للانتخابات التي تشرف على الممارسة الانتخابية يجب أن تخصص وحدة لمراقبة الأداء الإعلامي، وإتاحة وتنظيم حصول الإعلاميين على المعلومات، وتمكينهم من أداء عملهم في كل الظروف، وإلزام الوسائل الإعلامية العامة بإتاحة فرص متساوية للمرشحين من مختلف التوجهات، ورصد المخالفات التي تتعلق بتشويه الحقائق ونسب الصفات والأدوار الشائنة لبعض المرشحين وتلميع آخرين، فضلاً عن نشر تقاريرها الدورية عن ملاحظاتها على الأداء العملي للوسائل المختلفة.

لكن كل هذه الضمانات والفعاليات المهمة لن تكون وحدها قادرة على ضبط الممارسة في حيز يرواح بين الحرية والمسؤولية وضمن القواعد المهنية المعيارية، من دون توافر مؤسسات للدقة العامة، تتشكل من خبرات أكاديمية وقانونية واحترافية، تحظى بأكبر قدر ممكن من النزاهة والاعتدال والمصداقية، وتمثل قوى اجتماعية وسياسية متباينة، ويكون بمقدورها تلقي الشكاوى بحق وسائل الإعلام، وتمتلك الوسائل والأدوات اللازمة لفحص أي شكوى، وتقييم أداء الوسيلة المشكو في حقها، وإصدار تقارير معلنة، تنطوي على عقوبات مالية أو معنوية مبررة في حال وقوع الأخطاء.

* كاتب مصري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top