هل يُسمع كلام الأمير؟!

نشر في 25-08-2009
آخر تحديث 25-08-2009 | 00:00
 د. حسن عبدالله جوهر حديث سمو الأمير لرؤساء تحرير الصحف بشأن الفتنة الطائفية يمكن قراءته وبحثه على أكثر من صعيد، وأول ذلك أن استياء سموه من حالة الاحتقان الطائفي يعكس مؤشرين خطيرين، هما أن الفتنة بلغت مرحلة متقدمة جداً وعلى أعلى المستويات إضافة إلى عدم جدوى الكثير من المساعي والمحاولات لإخماد هذه البلوى أو على أقل التقديرات تحجيمها واحتوائها.

ومع الأسف الشديد، فإن توجيهات صاحب السمو في قضايا الطائفية أصبحت مكررة وفي مناسبات عدة كان آخرها افتتاح الفصل التشريعي الجديد لمجلس الأمة، وقبل وبعد ذلك حيث لا يكاد يمر لقاء مع سموه إلا ويتخلله النصح والإرشاد وعبر قلب يعتصر ألماً وشعورا كبيرا بالمسؤولية، ولهذا فإن استمرار البعض في أسلوب الغمز واللمز والإصرار على التحرش والتحريض والسعي من أجل التكسب السياسي والعاطفي من خلال العزف على وتر الطائفية لا يمثل فقط نمطاً من التحدي والعناد حتى لإرادة رئيس الدولة والمسؤول الأول عن أمنها واستقرارها، إنما يعكس حجم الثقافة الطائفية التي باتت مرجحة على جميع الأولويات والمصالح العامة. وخطورة هذا المؤشر تكمن في التعامل مع تحذيرات صاحب السمو باعتبارها شأناً عابراً لا محل لها من الاحترام والتوجيب.

وإذا راجعنا أدبيات الطرح الطائفي والاجتهادات الخاصة بمواجهته خلال السنوات القليلة الماضية على وجه التحديد، سنجد أنه على الرغم من قلة الممارسات السلبية سواء كانت على شكل مقالات صحفية أو تصريحات سياسية أو مداخلات إعلامية في مقابل الكم الهائل من الطروحات الإيجابية فإنه يبقى صوت النشاز والفردية هو سيد الموقف والمؤثر الأكبر في العواطف وخلق ردود الأفعال، فتكفي مقالة واحدة أو رسم كاريكاتيري أو تصريح نيابي واحد لإشعال البلد كله، وفي المقابل فإن الناس في العموم لا تتفاعل مع الطروحات الإيجابية والمبادرات الخيّرة بقدر تفاعلها مع طروحات التأزيم والتصعيد.

فعلى سبيل المثال، نظم المنبر الديمقراطي الكويتي ندوة عامة قبل أيام تحت عنوان مخاطر الطائفية ولم تحتشد لها القوى السياسية ولا الشخصيات العامة ولا حتى وسائل الإعلام بقدر ما كانت الحشود المتوقعة لندوة تحريضية أو لاصطفاف مذهبي، ونظمت الحسينية الجعفرية مجلس عزاء وفاتحة على أرواح ضحايا حريق الجهراء، ولم يكن الحضور يوحي بحرص أهل الكويت على تجسيد الروح الوطنية وإرسال رسالة بليغة ومباشرة للطائفيين ومثيري الفتن.

وبالمثل عندما التقى الشيخ جواد العطار قبل أسابيع عدة مع النائب محمد هايف كانت الانتقادات والاحتجاجات للطرفين أكثر بكثير من تشجيع مثل هذه المبادرات ومحاولة توسيع دائرة اللقاء والتشاور والتصارح!

ولهذا فإن الطائفية شئنا أم أبينا هي ثقافة مجتمعية أصبحت متجذرة لدى الكثيرين ولا يمكن محوها إلا بثقافة بديلة الأمر الذي يحتاج جهداً ووقتاً وتضحياتٍ في ظل استمرار التغذية المستمرة لروح الطائفية من فكر وإعلام ومصالح سياسية، وحتى يتم تحقيق هذه الثقافة البعيدة المنال يجب المبادرة إلى تقليم أظافر الطائفية عملياً، خصوصاً في مواقع اتخاذ القرار والتي تحولت مع الأسف إلى سياسات مقننة دون أي نوع من الورع وغياب أي رادع قانوني أو أخلاقي، وهذه مسؤولية الحكومة بالدرجة الأولى التي ساهمت وغذّت هذا الأخطبوط على مدى سنوات طويلة بغية إشغال الناس مع بعضهم بعضا حتى تسيطر على الجميع.

أما التحرك العملي الآخر فيتمثل في إقرار جملة من التشريعات التي تحظر الممارسات الطائفية والطبقية وتغلِّظ عقوباتها، فمثل هذه الإجراءات هي التي نجحت في إخماد الطائفية الدينية في أوروبا بعد قرون من الحروب الأهلية المذهبية وجعلت الجميع رغم ما تكن نفوسهم من بقايا البغض والكره الطائفي يسير على الصراط المستقيم!

ولهذا نتمنى أن تكون الحكومة هي أول من يسمع ويطيع توجيهات صاحب السمو الأمير وأن تحوّل تعليماته وأوامره إلى برنامج ميداني وحازم.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top