صراع ليس لنا دور فيه
هذا الصراع الكبير الدائر حول جائزة البوكر ولمن أحقيتها، كشف لنا عن الوجه الحقيقي لتلك الشبكات، أو تلك المراكز، ولن أقول ما يردده الجميع بالمافيا الثقافية، بل سأكتفي بقول إنها مجموعات من أفراد يسيطرون على قدر تشكيل هوية الثقافة العربية وإدارة بوصلتها بحسب أهوائهم ومصالحهم الذاتية.
وما كشفت عنه جائزة البوكر العربية ليس إلا جزء قليل مما هو مخفي تحت السطح، لأن هناك بالفعل من يسيطر على توجيه بوصلة الثقافة العربية بحسب الاتجاهات التي يريدها وبالشكل الذي تستولي فيه على كل المنافع والمصالح التي ترسم لها، لتصب في قنوات معلومة ومحددة من قبل إدارتها، وليستفيد منها كل من هو على علاقة بتلك المراكز وبمن يديرها ويوجهها بحسب قناعته المستفيدة منها وبحسب الاتفاقات السرية. والمشكلة لا تكمن في تحديد نسبة الجدارة ومقدار التفوق لبعض الكتابات عن غيرها، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في هذه التقسيمات الفوقية وفي هذه النظرة الدونية لما عداها، وإلى الآن وفي كل الجوائز الكبرى، وكل المنح الثقافية لم يكن للكتابات الخليجية نصيب في وسط تلك الكتابات المفضلة والمستأثرة بكل التقدير، وبالاستحواذ على كل الجوائز المرصودة التي تعتبرها كأنها مرصودة لها منذ الأصل، والمستبعد منها بطبيعة الحال كل الكتابات الخليجية، والتي هي لا تصل إلى شرف المقارنة والمناطحة مع تلك الكتابات المربوطة بشبكة المصالح لتلك الشبكة إياها. وأتمنى من كل قلبي أن يفوز في جائزة البوكر العربية لهذا العام، الكاتب السعودي عبدو خال ليس فقط لأنه يستحقها، بل حتى يكسر هذا اليقين الواضح باستبعاد الكاتب الخليجي من دائرة الجوائز الثقافية التي تترفع على الثقافة الخليجية، وتنظر إليها بتعالي المتفوق تجاه الأدنى منه، وكفاية على الكاتب الخليجي «الطبطبة» والإحسان عليه بكلمتين «حلوين» لزوم «الأستذة» والتفوق عليه، وحتى هذه «الطبطبة» يجب دفع ضريبة لها، سواء كانت عن طريق الولاء والحمد والخنوع والطاعة والاعتراف بعظمة المطبطب، أو بمده بمصالح مقابل هذا التشريف العظيم. وسيبقى الحال كما هو عليه إلى أبد الآبدين ما لم تنتبه الحكومات الخليجية إلى تقدير ورعاية الثقافة المحلية، ووضعها فوق كل شيء، الاعتراف والافتخار بالثقافة الخليجية وبكتابها هو ما سيرفعها ويمنحها قيمتها الحقيقية التي يجب أن تفرض حضورها واحترامها ودورها على الجميع، لأن هذا الاعتراف والتقدير لن يأتي من الخارج ما لم يحصل عليه أولا من الداخل، وإذا لم ينله الكاتب الخليجي من وطنه فمن سيمنحه هذا التقدير؟ في الخليج كتاب وكاتبات لهم وزنهم، وكتاباتهم متفوقة ومتفردة بنكهة مختلفة عما هو موجود من كتابات عربية، فقط تحتاج إلى رعاية وافتخار أوطانها بها. لدينا كل شيء يجعلنا نفتخر بذاتنا وهويتنا الخليجية من دون أن يُنعم علينا بهذه الطبطبة النازلة من عليائها إلينا.نملك وسائل التعبير المهمة من صحف كبرى، ومحطات لأهم القنوات الفضائية، ولدينا أساتذة في كل المجالات، ونقاد معروفون وقادرون على تقييم وتحديد الثقافة الخليجية، وما يقدمه كتابها.نحن في حاجة إلى جوائز خاصة بالثقافة الخليجية، حتى تشجع الكاتب الخليجي وتمنحه الشعور بالفخر والاعتزاز، وحتى لا يحرم من جوائز ليس له نصيب فيها، ومن تقديرات لا يحظى بشرفها، فهي محسومة لدرب آخر لا يمر بدربه. وكي لا يبقى المبدع الخليجي ملتفا بصمت كبريائه وترفع كرامته، وبكونه مقصى من تقدير شرف الجوائز التي ليس له دور فيها، نجد أنه من واجب أوطاننا الخليجية أن ترعى الثقافة فيها بجدية وبنظرة مستقبلية ترفع من شأنها ومن قيمتها لدى من ينظر إليها بدونية أو بدرجة ثانية أو ربما ثالثة أو صفر. أتمنى أن تكون هناك جائزة للرواية الخليجية متميزة كما البوكر، وأن يكون فيها تحكيم خليجي وعلى معايير وأسس واضحة، مثل التميز والاختلاف في قيمة الشكل والمضمون، ومستوى اللغة، وابتكار تقنية غير مسروقة أو مستوردة، وحوار عميق في إنسانيته وجدته، وأن يكون هناك باب مفتوح لاستيعاب كل أشكال الحداثة والتجريب، وألا يكون الاختيار بهوس الأكثر مبيعا، لأن الأكثر مبيعا لا يعني الأفضل في كتابته، وأن يكون على قمة ذلك حكم النزاهة والصدق والحياد في التقدير، حتى نرقى وننهض بمستوى ثقافتنا الخليجية مثل ما نهضت أوطاننا بالمعمار الاقتصادي والعمراني بشكل متميز.