إن الحقد يضيّق حياة الحاقد أكثر مما يضيّق حياة المحقود عليه، إن الحاقد لا يستطيع رؤية الجمال في أي شيء جميلا، ولا يمكنه ممارسة الحياة والاستمتاع بتفاصيلها الكثيرة، ولا بروعتها، وتتوقف حياته تماما عند نقطة واحدة لا يستطيع تجاوزها ولا مبارحتها.
الحقد، الكُرْه، اليأس، الإحباط، الشك، الغيرة وكل المشاعر السلبية الأخرى إذا ما سيطرت علينا، وأصبحت الماء الذي يروي مشاعرنا فستصبح هي فعلا القاتل الصامت الذي ينهينا دون أن نشعر. المشاعر السلبية إذا ما أصبحت الدرب الوحيد الذي يحتضن خطواتنا، تصبح شبيهة «بالموشور الزجاجي» ولكنه معكوس، بحيث تتحول ألوان الطيف الجميلة عندما تعبُره، إلى لونين فقط ... أسود وأبيض! وإذا ما أصبحت هذه المشاعر هي النافذة الوحيدة التي نرى من خلالها الحياة، فلن تصبح الحياة سوى جرح مفتوح على مصراعيه لن يندمل أبدا. إن هذه المشاعر السلبية تقتل الأمل والجمال والمتعة في عيوننا، وتحاصر نبضنا، وتجفّف قطرات الندى من على أغصان العمر، وتجعلنا سلبيين وقميئين وبشعين، تجعلنا حطبا محروقا، لا يمكن أن نُغري فراشة أو عصفورا أو حبة مطر، أو كلمة شعر، أو خفقة قلب، نصبح رمادا باهتا غير قادر على منح الدفء، وإن أفضل ما تفعله هذه المشاعر السلبية فينا هو أن تحولنا إلى مجرد جثث ينقصها فقط... تابوت! البعض يبرّر انكفاءه داخل دائرة مشاعره السلبية بسبب خيانة حبيب، أو خذلان صديق له، أو ظلم قريب، أو أي سبب آخر... ولكن لا بد أن نعي أن الحياة أكبر بكثير من أن تضيق لدرجة أنها لا تتسع سوى لشخص، إن الحياة ليست شخصا مهما بلغت درجة محبتنا له وأهميته في حياتنا، الحياة شجرة كبيرة وارفة الظل لا تموت بانكسار غصن فيها مهما بلغ كبر هذا الغصن، ومهما بلغ عدد الأوراق الخضراء فيه. يسقط يوميا العديد من الشهب لتصبح رمادا على الأرض ومع ذلك تبقى السماء جميلة بهية بما حملت من النجوم. يموت كل يوم العديد من العصافير إما بفعل رصاصة أو لأي سبب آخر، ومع ذلك ما زلنا نسمع الأغاني التي ترتّلها «الزقزقات» خلف شبابيكنا كل صباح. يذبل كل لحظة ما لا يعد من الزهور وتتيبّس أوراقها ولا يعود عطرها سوى ذكرى كانت، ومع ذلك ما زال الندى يصحو باكرا بهمة ونشاط ليقبّل جبين الزهور التي على قيد الحياة، وتلك التي وُلدت للتو. والأمثلة كثيرة على بقاء الحياة دائما عروسا تشتهيها القلوب، وفتنة تسحر الألباب رغما عما يحدث كل لحظة فيها مهما عَظُم. إن الحياة أجمل من أن تُختصر في شخص، ولا حتى في أشخاص مهما انغرست جذورهم في تربة أرواحنا، ومهما تشابكت أوردتهم في أوردتنا، وما ضرب طوق من الأسلاك الشائكة حول ابتساماتنا، إلا محاولة غبية لقتل الفرح في الحياة، وما تكميم أبصارنا بخرقة سوداء سميكة، إلا محاولة بلهاء لوأد الشمس!
توابل
آخر وطن: مشاعر بيضاء... للسواد!
03-07-2009