من المؤكد أن يحرز لقب كأس العالم لكرة القدم 2010 مساء اليوم منتخب أوروبي من "عيال بطنها"، وهم من "عيال بطنها" لأنهم يحصلون على نصيب الأسد من مقاعد المنتخبات التي تشارك في المونديال (12 مقعداً)، رغم أن عدداً من المنتخبات الأوروبية التي شاركت في جنوب إفريقيا كان مستواها أقل من عادي، مثل اليونان، وسويسرا، التي حالفها الحظ في هزيمة إسبانيا في بداية مباريات المجموعات، دون أن تقدم متعة كروية تستحق المشاهدة.

Ad

توزيع مقاعد المنتخبات المشاركة في المونديال يشوبه الكثير من الظلم وعدم المساواة في تمثيل القارات، حتى أصبح بعض الدول ضيفاً دائماً على المونديال، بسبب صغر عدد الدول التي تشارك في التصفيات القارية المنتمية إليها، مثل الولايات المتحدة والمكسيك التي تشارك في تصفيات محدودة وسهلة، بينما تصارع دول أكبر قارة في العالم، وهي آسيا، على خمسة مقاعد فقط، تمثلها في كأس العالم، وتشارك فيها ايضاً دول أقنوسيا، وهو ظلم بين، خاصة بعد العروض المشرفة التي قدمها منتخبا كوريا الجنوبية واليابان، ولا يمكن تجاهل ما حدث في مباراة دور الستة عشر للمنتخب الياباني أمام نظيره الباراغوياني، إذ ذبح الحكم البلجيكي المنتخب الياباني من الوريد إلى الوريد، بعد ما تعرض له اللاعبون اليابانيون من ضرب مبرح من الباراغويانيين بالكوع والركب والمقصات، ولكن الحكم كان في وادٍ آخر، ولم تهتز له صافرة حتى تم إقصاء اليابانيين بضربات الحظ الترجيحية، بالإضافة إلى الأخطاء التحكيمية الأخرى الصارخة في المونديال، والتواطؤ في مباراة البرازيل والبرتغال في نهاية مباريات الدور الأول التي انتهت بالتعادل السلبي بينهما ليصعدا معاً إلى الدور التالي.

وعلى الرغم من تشويق ومتعة موسم المونديال، الذي يحل علينا كل أربعة أعوام، فإنني أعتقد أن حلاوة ومتعة كأس العالم الكروية بدأت تتلاشى وتقل بعد مونديال المكسيك 1986 لمصلحة الترويج والتسويق التجاري للعبة الشعبية الأولى في العالم، وأصبح لدينا نجوم من صناعة تجارية، أو اللاعب النجم "الأكروباتي" الذي يلعب في ناد يمتلك كل النجوم، ويلاعب فرقاً معظمها بلا إمكانات مالية تمكنها من جلب نجوم لمقارعته، فيهيأ له المسرح لاستعراض أكروباتي، كما يحدث في لعبة المصارعة الحرة المرسومة حركاتها مسبقاً، وهذا ما يفعله ليونيل ميسي في نادي برشلونة الذي يمتلك كل النجوم، ويلاقي بقية الأندية في الدوري الإسباني التي تمثل دور "الكومبارس" ما عدا نادياً أو اثنين، ليكتمل المسرح للعرض الأحادي، ويليه حصاد الأرباح والتسويق التجاري، ولذلك لم يفعل ميسي شيئاً عندما واجه فرقاً متكافئة مع منتخبه، وغاب الكومبارس عن المسرح.

أما المفارقة فهي التمثيل الإفريقي في المونديال الأول الذي أقيم في القارة السوداء، الذي أثبت أن اللاعب الإفريقي هو مشروع فردي للتسويق في الأندية الأوروبية، ولا يمكنه أن يفكر في اللعب الجماعي في منتخب بلاده، بالإضافة إلى ضعف الوازع الوطني والانتماء لديه، فدروغبا وإيتو وغيرهما من النجوم الأفارقة يحتاجون غالباً إلى أن تكون بجانبهم مجموعة من اللاعبين الأوروبيين ليشكلوا لهم الفكر الكروي والإمداد ليظهروا مواهبهم، ودون ذلك فهم يلعبون للاستعراض الفردي وزيادة أسعارهم للمستكشفين ووكلاء الأندية في الدوريات الأوروبية، ولذلك فإن أضعف البطولات القارية فنياً هي بطولة كأس أمم إفريقيا، ويبدو أن المنتخب الفرنسي بدأ يلعب بنفس الطريقة، بعد أن فقد هويته لمصلحة أغلبية لاعبيه من الأصول الإفريقية.

مونديال جنوب إفريقيا أثبت أنه مهما تغلغل العامل التجاري في صناعة النجوم والترويج لهم، فهو لا يستطيع أن يصنع النتائج، ولذلك كانت الغلبة للفرق الواقعية، وذات الفكر الجماعي واللعب الشامل الذي يسانده مهارات نجوم حتى لو كانوا من الوزن الخفيف أو المتوسط، ولذلك فإن العدالة والحق يستوجبان أن تكون الليلة لمصلحة أبناء مدرسة كرويف الذي خلق منذ أربعة عقود مع زملائه مدرسة الواقعية والكرة الشاملة، ونقلها للإسبان عبر نادي برشلونة الذي دربه سنوات وطور مدرسة ناشئيه، ولاعبو برشلونة الستة في المنتخب الإسباني اليوم يمثلون فكره وقوته الضاربة، لذلك فإن كرويف يستحق أن يرفع كأس العالم الليلة ولو معنوياً عبر لاعبي منتخب الطواحين!