مأزق الرواية الكويتية يأتي من دورانها في قصص الحياة الاجتماعية، الناتج عن صغر المجتمع الكويتي ووقوعه في إشكالية أنماط حياة اجتماعية متقاربة ومتشابهة ومشتبكة في أحداثها وصورها وطابعها، وفي كل المشاكل الناتجة عن ذلك، لذا حين حدثتني الزميلة منى الشافعي عن النقاط المتشابهة بين روايتها «ليلة الجنون» الصادرة في عام 2008، ورواية الزميل طالب الرفاعي «الثوب» الصادرة في عام 2009، أي بعد روايتها بسنة، توقعت أن يكون التشابه قد نتج عن مأزق الرواية الكويتية، فالكل يدور في حلقة الحكايات الاجتماعية المتشابهة، خصوصا حين قالت لي إنها كتبت عن «أزمة المناخ» وطالب كتب عنها، فأجبتها إنني كنت أول من كتب عن أزمة المناخ منذ التسعينيات، وسيكتب العشرات من بعدي في أزمة المناخ، وردت منى بأن بطلتها تملك قدرة على التنبؤ وكذلك هي الحال مع بطل رواية طالب، فقلت لها لقد كتبت من قبلكم في روايتي «النواخذة» عن شخصية «هيا» المجنونة والمتنبئة في آن واحد، وستستمر الكتابة فيها من قبلنا ومن بعدنا، إلى ما لا نهاية. فقالت منى إن التشابه لا يتوقف عند حدود العام من المواضيع، لكنه يتوارد حتى في الخاص والمتخيل من جانبها، فهو أيضا قد تطابق معه مثل الصوت الذي يصاحب البطلة ويرشدها أو يحدد لها مسارات حياتها، فطالب كتب عن ذات الصوت الذي أطلق عليه اسم عليان، الذي هو مرشد وقائد في حياة البطل، كما التشابه أو التطابق حصل أيضا مع بطلتها حين أقامت أمسية شعرية في رابطة الأدباء، وكذلك فعل بطل رواية «الثوب» الذي هو طالب بذاته، إذ قدم أمسية في الرابطة... وكان ردي عليها بأنه يجب أن أقرأ العملَين حتى أفرِّق ما بينهما، وإن كان التشابه ناتج عن وقائع الحياة الاجتماعية المشتركة أو أمور أخرى، وبالفعل حين قرأت روايتها «ليلة الجنون»، ورواية طالب الرفاعي «الثوب»، دهشت من شدة التشابه أو بالأحرى التطابق الغريب بين أحداث الروايتين، أمر غريب مطلوب له تفسير وتوضيح سريع من قبل الزميل طالب الرفاعي، فلا يمكن أن يكون كل هذا التشابه توارد خواطر، لأن التوارد لن يكون بأكثر من فكرة أو فكرتين بالكثير، لكن أن يكون هناك نفس الطرح ونفس التناول للمواضيع ذاتها فهو الأمر المحير والمحير جدا، فكيف حصل هذا التطابق؟ وهل من الجائز حصوله بهذه السهولة؟ من الجائز أن يأتي التشابه في الحديث عن جامعة الكويت واتحاد الطلبة والأحداث الجارية في رواية منى ورواية طالب، كذلك في تناول كل منهما مشاكل الطلاق، لاسيما طلاق الأصدقاء والأقرباء، وإن كانت مشاكل الطلاق في رواية طالب ليست من صلب الرواية بينما هي في رواية منى أزمة حياة بالنسبة إلى بطلتها. ونجد أن التشابه قد شمل الأسماء أيضا، فبطلة الرواية عند منى نجد أن اسم حبيبها الأول خالد وحبيبها الثاني فيصل خليفة، بينما كان اسم بطل رواية طالب خالد خليفة، ما زاد ارتباك التشابه الذي هو أخطر ما فيه يتمثل في ثلاث نقاط:
1- اللب أو الأساس المشترك في الروايتين يقوم على فكرة التفاوت والاختلاف القائم بين الطبقات الاجتماعية أو الطوائف، ففي رواية منى نجد أن الاختلاف الطائفي قضى على علاقة الحب الأولى، وفي رواية طالب التفاوت الطبقي هدم علاقة الحب والزواج.2- هناك صوت أو قرين يرافق بطلة منى يحدد لها تصرفات حياتها في كل الظروف، وكذلك نجد الصوت عند طالب الذي أيضا يرشده ويحدد تصرفاته في كل أمور حياته، أحيانا يهمس ويغضب أو يبتعد وهو ما يحدث بالضبط مع منى.3- دخول هذا الصوت في جسد البطلة عند منى وعند طالب هو ذاته، وهو الحالة الأقوى في التشابه، ففي رواية منى الأم تخبر ابنتها أنها عند ولادتها اخترق شعاع من الضوء جسدها وبالتالي تعتقد البطلة أن هذا الشعاع هو مصدر الصوت المرافق لها، بينما في شخصية طالب الذي هو بطل روايته أيضا، نجد أن أمه قد أخبرته عن توأم اخترق جسده عند ولادته وغاب فيه، وهو مصدر الصوت الذي يرافقه، وفي كل من الروايتين نجد أن الأم قد نسيت القصة من بعد الولادة وهو الأمر غير المفهوم. أنا لم أجد أي تفسير لهذا التشابه، لكن ربما يكون الاهتمام بالتقنية أهم من طرح قضية أو هم وجودي، لأن الرواية قبل كل شيء ليست تسجيل ونقل حكايات اجتماعية مرمية على قارعة الطريق ومتكررة إلى الأبد، وهي أيضا ليست تقنية تركب عليها مختارات لقصص اجتماعية، الرواية هي هم وجودي وقضية تعشعش في الوجدان إلى أن تخرج وهي حاملة معها ما تريد طرحه وبالتقنية الصالحة لأحداثها والمتناسبة مع شكل الموضوع، ولا يمكن استيراد تقنية من خارجها، لأن العمل الروائي لا يمكن تفصيله بالمقاس وبحسب الطلب وبالموديل الشائع.
توابل
مطلوب توضيح عاجل
01-02-2010