برحيل د. نصر حامد أبو زيد، الذي غيبه الموت أمس عن عمر يناهز 67 عاما إثر إصابته بفيروس غامض فشل الأطباء في تحديد طريقة علاجه، يفقد الوسط الثقافي المصري والعربي أحد أبرز مفكريه وأشهر ضحايا محاكمات الكُتَّاب، إذ كانت محكمة مصرية قضت عام 1995 بتفريقه عن زوجته ابتهال سالم بعد دعاوى قضائية من الجماعات الإسلامية التي أفتت بارتداده عن ملة الإسلام، ولأن القانون المصري لا يعاقب المرتد بالإعدام، فقد وجد مَن قاضوه مخرجاً في قانون الأحوال الشخصية الذي يمنع المسلمة من الزواج بكافر، فاضطر أبو زيد إلى الفرار والهجرة إلى هولندا.

Ad

 وأبو زيد، الذي دافع عنه مثقفون كثر، يدعو في كتاباته إلى إعادة النظر في مناهج تفسير النص القرآني، ومن أشهر كتبه "الاتجاه العقلي في التفسير"، و"نقد الخطاب الديني" الذي كان العامل الأساسي في حكم تطليق زوجته منه، و"التفكير في زمن التكفير"، وغيرها من الكتب.

وولد أبو زيد في مدينة طنطا (شمال القاهرة) 1943، ولم يتمكن من استكمال تعليمه الجامعي بسبب ضعف إمكانيات أسرته المادية، وعيّن بعد ذلك فنيا للاسلكي بالهيئة المصرية العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية.

ثم استأنف أبو زيد دراسته الجامعية إلى جانب عمله ليحصل عام 1972 على ليسانس الأدب العربي من جامعة القاهرة بتقدير ممتاز، ليصبح معيداً في الكلية، ويبدأ الإعداد لرسالته لنيل درجة الماجستير ليحصل عليها في الدراسات الإسلامية عام 1976، وبعدها بثلاث سنوات نال درجة الدكتوراه من نفس الجامعة.

وعندما تقدم لاحقاً بأبحاثه إلى الكلية لينال درجة الأستاذية تشكلت لجنة من الأساتذة، على رأسها عبدالصبور شاهين الأستاذ في كلية دار العلوم بالقاهرة، قالت إن ما يكتبه أبو زيد كفر صريح.

وبعد تعيينه أستاذاً عام 1995 بأسابيع رُفعت ضده القضية الشهيرة ليترك الوطن إلى منفاه الاختياري في هولندا مع زوجته ورفيقة دربه ابتهال سالم أستاذة الأدب الفرنسي، ليصبح أستاذاً زائراً في جامعة ليدن الهولندية.

وقبيل مرضه بعدة أشهر كان مقرراً أن يلقي أبو زيد محاضرتين عن نقد الخطاب الديني والمرأة في العاصمة الكويتية، ولكن السلطات المحلية منعته من دخول البلاد، مما دفعه إلى عقد مؤتمر صحافي في نقابة الصحافيين المصريين شرح فيه ما حدث، وهاجم الأنظمة العربية، التي قال إنها "تقمع حرية التعبير".

وحصل أبو زيد على العديد من الأوسمة والمناصب العلمية، إذ قلده الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وسام الاستحقاق الثقافي عام 1995، ثم منحته جامعة ليدن كرسي كليفرخيدا (كرسي في القانون والمسؤولية وحرية الرأي والعقيدة) عام 2000، قبل أن يحصل على ميدالية "حرية العبادة" من مؤسسة إليانور وتيودور روزفلت بأميركا، وأخيراً تقلد كرسي ابن رشد لدراسة الإسلام والهيومانيزم في جامعة الدراسات الإنسانية بأوتخرت الهولندية عام 2002.