بداية أنا ضد منع الشيخ محمد العريفي من دخول الكويت، لأنه ببساطة لا فائدة من المنع، فكل من يريد أن يعرف ماذا قال العريفي يمكنه بسهولة دخول موقع "اليوتيوب" والاطلاع على الخطبة التي قدح فيها بالشيعة، وتهجم على المرجع الكبير السيد السيستاني، حيث وصفه بأوصاف نابية، وحتى لو منع العريفي من الدخول، فإن هناك المئات بيننا من أمثال العريفي ممن يحملون نفس توجهاته الفكرية، وبالتالي لا فائدة من منع دخول شخصية لرأي أو مقولة صدرت عنه، لأن المنع سيزيد من شهرته وشعبيته، وهذا ربما ما يريد الوصول إليه الكثيرون.
إذا كانت تصريحات العريفي بحق الشيعة والسيد السيستاني مستهجنة، فإن ما هو أكثر مدعاة للاستهجان هو تصريحات بعض النواب المعترضين على منع وزارة الداخلية لدخول الشيخ محمد العريفي إلى الكويت من باب الدفاع عنه، وأعتقد أن أغلبيتهم لم يستمع إلى ما قاله العريفي في خطبته، إنما انساقوا للدفاع عن العريفي بحكم العصبية وضغط الشارع حتى لو لم يكونوا على قناعة بما يقولون. أما القسم الآخر من النواب الذين صرحوا دفاعاً عن العريفي، فمن الواضح أنهم لا يرون فيما قاله أي إساءة لأنهم يرون نفس رأيه، والفرق الوحيد أنهم لا يظهرون ذلك. هناك جملة مفارقات في حادثة "العريفي"، فالنائب وليد الطبطبائي يطالب وزير الداخلية بالتحقيق مع أشخاص أساؤوا للشيخ ابن باز في حفل خاص، بينما يرفض منع الشيخ العريفي من دخول الكويت مع أنه تعرض للسيد السيستاني في خطبة الجمعة ونشرها في موقعه الرسمي. أحد النواب حاول التذاكي وخلط الأوراق بالقول إن الشيخ العريفي يحب الكويت وإن منعه إساءة للمملكة التي ساعدت في تحرير الكويت، وكأنه بذلك يحرج من استاؤوا من كلام العريفي، وكأن المطلوب الدفاع عن أي شخص سعودي مهما كان فعله أو كل ما هو سعودي فقط لأن السعودية ساعدت في تحرير الكويت، وليتهم رجعوا إلى خطبة للعريفي يترحم فيها على صدام بعد إعدامه، وعندها هل يا ترى سيطالبون بمنعه لأنه ترحم على من غزا الكويت؟وأخيراً وكالعادة لابد أن يكون لمحمد هايف نصيب من هذه الإثارات، فهو هدد بمساءلة وزير الداخلية إذا لم يرفع اسم العريفي من قائمة الممنوعين، وكأنه نسي موقفه عندما اعترض على رفع اسم الفالي من قائمة الممنوعين، واعتبر ذلك رضوخاً من الحكومة للضغوط، وها هو اليوم يقوم بما كان يندد به بالأمس.التعرض لشخص السيد السيستاني لن ينقص من قدره ولن يقلل من مكانته، ولكن التعرض له مدعاة للفتنة وتأجيج لمشاعر محبيه، خصوصاً أنه أكثر مراجع الشيعة من حيث عدد من يرجعون إليه بالفتوى، وبدلاً من التهجم على السيد السيستاني كان الأولى أن يقدر الرجل على مواقفه المشهودة في حقن دماء المسلمين، وهي الجهود التي جنبت العراق الانجرار إلى حرب طائفية لا تبقي ولا تذر، فهو أصر على ترسيخ مبادئ التعايش واحترام معتقدات الآخرين في أصعب الظروف وأحلكها، ولولاه لسالت الدماء أنهاراً.حادثة "العريفي" والفالي ومركز "وذكّر" وغيرها من الحوادث تؤكد أن الحساسية الطائفية وصلت إلى ذروتها، وأنها تجد في هذه الحوادث مجالاً لتفريغ ما في الصدور. قلناها سابقاً ونكررها بأنه لا يجوز التطاول على الرموز الدينية لأي طائفة أو مذهب أو ديانة، فكما أني لا أقبل أن يتعدى أحد على مقدساتي وعلى من أكن لهم التقدير من العلماء، فإن من واجبي أيضاً ألا أتعرض لمقدسات وعلماء الآخرين مهما اختلفت معهم، لأن التعرض للرموز الدينية فتح لباب الفتنة وإذكاء لمشاعر العصبية، خصوصاً ونحن نعيش في جو طائفي مكهرب لا يحتاج إلا القليل لينفجر.
مقالات
لا تمنعوا العريفي
19-01-2010