كيف نلوم المواطن العادي إن اهتزت ثقته بجدية السلطتين في معالجة المشاكل العامة التي تزداد تعقيدا عاما بعد آخر، أو في مكافحة الفساد الذي بدأ يستشري في أجهزة الدولة ومرافقها رغم الحديث الرسمي الممل والمكرور عن التصدي له ومنع انتشاره؟ بل كيف نلوم المواطن العادي، وهو يرى الفساد وتعارض المصالح "على عينك يا حكومة ومجلس أمة"، وآخره ما أوضحته بشكل جلي إجابة وزير النفط عن سؤال النائب الفاضل أحمد السعدون المتعلق بمدى وجود مصلحة مباشرة أو غير مباشرة لأي من أعضاء المجلس الأعلى للبترول، أو أعضاء اللجان المكلفة من قبله في أي عقود استشارية أو مناقصات، سواء مع وزارة النفط أو مؤسسة البترول وشركاتها التابعة، حيث إن الإجابة قد بينت أن هناك تعارضا صارخا للمصالح في المجلس الأعلى للبترول، إذ إن أغلبية أعضاء المجلس الأعلى للبترول الخارجيين لهم مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في عقود استشارية أو مناقصات نفطية؟ (القبس 5 يوليو 2010).

Ad

 لنعيد السؤال بصيغة أخرى كالتالي: كيف يا ترى نلقي باللوم على المواطن، والحكومة تعلم علم اليقين بتعارض المصالح في المجلس الأعلى للبترول، ولا تحرك ساكنا، إذ إنها هي التي تقوم بتعيين الأعضاء الخارجيين والتجديد لهم باستمرار منذ سنوات طويلة؟

قد يقول قائل إن تعارض المصالح غير محصور في المجلس الأعلى للبترول، إذ إن هناك تعارضا للمصالح في مجالس حكومية أخرى، وفي العديد من أجهزة الدولة ووزاراتها، بل إن تعارض المصالح موجود أيضا في مجلس الأمة، وهذا كله صحيح بيد أنه يثبت ما نقوله ولا ينفيه، لذلك فإننا لا نجد مبررا لصمت الحكومة وتجاهلها لما يجري في المجلس الأعلى للبترول من تعارض للمصالح، بل على العكس من ذلك فإنها ملزمة أكثر من أي وقت مضى، خصوصا بعدما فُضح الأمر علانية، في إثبات جديتها في مكافحة الفساد وتعارض المصالح من خلال قيامها بخطوات سريعة وشفافة ومعلنة لمعالجة الموضوع بما يحفظ المال العام، ويعيد ما أخذ منه، ويمنع تكرار ما حدث، ويوقع العقوبة المناسبة على من يستحقها على أن يكون، من ضمن الخطوات التي يجب على الحكومة اتخاذها، دعوتها لجلسة خاصة لإقرار قوانين مكافحة الفساد، وتعارض المصالح، والكشف عن الذمة المالية، وإلا فإن المواطن العادي سيفقد ما تبقى له من ثقة في الحكومة، ولن تجدي بعد ذلك تصريحات مسؤوليها بأنها تتصدى بجدية لأي تلاعب أو تجاوز يطول الأموال العامة، وأن التنمية على الأبواب، وأن الفساد لا وجود له في الكويت التي ستتحول عما قريب إلى مركز مالي وتجاري.

من ناحية أخرى فإن الأمر لا يتوقف فقط على ما ستقوم به الحكومة، بل إن المهمة الآن ملقاة أيضا على عاتق مجلس الأمة ومؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة مثل جمعية الشفافية وجمعية حماية الأموال العامة، إذ إن كلا منهما يتحمل مسؤولية وطنية في التصدي لعمليات التنفيع على حساب الأموال العامة ومكافحة الفساد الذي فاحت ريحته في الآونة الأخيرة.