لا أحد منا يعترف بأنه قد يكون أساس المشكلة، أو حتى جزءا منها، فهو بريء تماما تماما، وهم المجرمون في حقه! هذه النقطة بالذات هي أساس الحل عند أي محاولة أبدأ بها لمعالجة المشاكل المهنية. منذ أن ابتدأت بتقديم تلك الفقرة الصباحية الحوارية القصيرة على إذاعة «المارينا إف إم»، في ضيافة الصديق عبدالرضا بن سالم في برنامج «نغم الصباح» للحديث حول الصحة المهنية، فقد صرت أتلقى الكثير من الرسائل والمسجات والاتصالات من مختلف الأشخاص الذين يطلبون الاستشارة والنصيحة حول ظروفهم الوظيفية، ومعها كذلك بعض الدعوات لتقديم محاضرات أو عقد ورش تدريبية حول الصحة المهنية، وكذلك الضغوط النفسية في العمل، وما شابه ذلك من الموضوعات المرتبطة بهذا المجال، والحقيقة أني سعيد بذلك جدا، فشكرا لمن أتاح لي هذه الفرصة الرائعة للتفاعل مع الناس ومساعدتهم.

Ad

لكن ملاحظتي المتكررة هي أن أغلب الرسائل التي وردتني ولاتزال، لم تحمل مشاكل مستعصية على الحل، إنما هي من قبيل ما يمكن علاجه بالمواجهة الموضوعية والتفكير الصحيح البعيد عن التأثيرات العاطفية والذي سينتج عنه تغييرات بسيطة وتعديلات غير معقدة، في حين أن القليل القليل منها ما يحتاج فعلا إلى معالجات «راديكالية» قد تصل إلى حد ترك مكان العمل برمته أو ربما تغيير الوظيفة بأكملها، والذي هو آخر العلاج في الغالب.

بالإضافة إلى هذا، فقد لاحظت أن الكثير من الرسائل ما يأتي مصاغا بطريقة مختصرة، لا تخلو أحيانا من الظرافة، يعبر من خلالها صاحبها أو صاحبتها عن مشكلته، كالرسالة التي تلقيتها ذات صباح، حيث أبدت فيها المرسلة استياءها من تعامل مسؤولها في العمل معها بقولها: مديري حقير حقير، فماذا أفعل؟!

بطبيعة الحال، فإننا غالبا ما نلقي باللوم على الآخرين عند مواجهتنا لأي مشكلة في العمل، سواء أكان هؤلاء هم المسؤولون، أو الزملاء، أو النظام البيروقراطي ربما، أو التعسف الإداري مثلا، أو حتى الحظ «الرديء» أحيانا، وهكذا فالآخرون هم الجحيم دائما كما قالها بول سارتر يوما ما، ولا أحد منا يعترف بأنه قد، وأقول «قد» حتى أعطي مساحة لاحتمال أن المشكلة قد تكون فعلا نابعة تماما من الآخرين دون أي ذنب لنا، أقول لا أحد منا يعترف بأنه قد يكون أساس المشكلة، أو حتى جزءا منها، فهو بريء تماما تماما، وهم المجرمون في حقه!

هذه النقطة بالذات هي أساس الحل عند أي محاولة أبدأ بها لمعالجة المشاكل المهنية التي تعرض علي، فأنا أومن بأن وضع اليد أولا على علاقة الشخص نفسه بالمشكلة التي يشتكي منها، وعلى الجوانب المرتبطة به وبسلوكياته في التعامل معها، هو وضع لليد في الحقيقة على أغلب ما هو ممكن معالجته وتصحيحه، لأن من السهل أن يصحح الإنسان ويعالج ما هو في يده وداخل إطار قدرته، أكثر بكثير من قدرته على تصحيح ومعالجة ما هو في داخل دائرة تأثير الآخرين.

والجميل أن هذه الحقيقة لا تتوقف عند معالجة المشاكل المهنية، بل تتعداها إلى معالجة كل المشاكل في حياة الإنسان، وهي دائما وأبدا أول الطريق إلى الحل، فلو ابتدأ كل إنسان منا بالتفكير في دوره في حصول المشكلة التي يعانيها، وباشر بمعالجة هذا الجانب، فأنا أضمن لكم أن جزءا لا يستهان منه من المشاكل التي نعانيها في حياتنا سوف ينتهي تماما.