في كل حادثة تكون إسرائيل طرفاً فيها علينا النظر إلى خسائر إسرائيل الفادحة لأننا غالباً ما نتجاهل مكاسبنا البسيطة. إسرائيل تمتلك القوة والدعم اللذين يجعلان مقابلتهما بالضعف وقلة الدعم أمراً صعباً ولا أقول مستحيلاً. ورغم قوة إسرائيل فإنها على استعداد لخسارة جولة حربية لمصلحة العرب ربما تعود عليها بالنفع الأكبر، ولكنها غير مستعدة إطلاقاً لخسارة جولة إعلامية واحدة أمام الرأي العام العالمي. إسرائيل تنفق على هذا الإعلام بقدر إنفاقها على استعدادها الحربي، وأنصارها ومناصروها لهم الصوت الأقوى والفضاء الأرحب في عواصم صنع القرار، وواشنطن على وجه التحديد.

Ad

فجأة وجدت إسرائيل نفسها تتعرض لأكبر خسارة إعلامية، وفي صباح يوم واحد كاد كل الإعلام الذي رعته وبنته رساميلها الخارجية يصمت ويترك الساحة لمناهضي الدولة اليهودية. حاولت الماكينة الإعلامية بسرعة أن تختصر اليوم الذي اعتدى فيه عساكرها على سفينة النشطاء، لكنها لم تنجح وتمنت لو أن اليوم الذي سبق الاعتداء لم ينته أبداً. استطاعت آنا ماريا تريمونتي أن تتغلب على كل ضيوفها في برنامجها الصباحي بسؤال واحد لم يجدوا له رداً. فالسفينة كانت تقل نشطاء من جميع أنحاء العالم، وعلى متنها ثلاثة كنديين والادعاء بأنها كانت مسلحة كان ادعاء سخيفاً.

إحدى السفن تحمل اسم راشيل كوري عضو حركة التضامن الدولية، وهو اسم يثير وجعاً إسرائيلياً ويعيد يوماً مر منذ سبع سنوات حين قتلت كوري تحت أسنان جرافة جيش "الدفاع" الإسرائيلي التي حاولت هدم منزل سمير نصرالله. اعتقدت إسرائيل أن العالم نسي طالبة كلية ايفرجرين الشابة التي أخذت إجازتها السنوية للدفاع عن غزة، ولم تعد الى كليتها أبدا، ولكن روحها عادت على ظهر سفينة في عرض البحر، فهل ستطلق قوات الكوماندوز الإسرائيلية النار عليها مرة أخرى؟

على الجانب الآخر عرضت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مجموعة من العصي الحديدية ونبالة يدوية وكيس من حصى الرخام، وكأن الكوماندوز الإسرائيلي هبط بعد منتصف الليل على السفينة لمحاصرة هذه الأسلحة. وعلق برادلي بيرستون أشهر كتابها بأننا، أي الإسرائيليين، "أصبحنا نطلق النار في المياه الدولية على ناشطين دوليين وعمال إغاثة وحملة جوائز نوبل". تلك هي الصورة التي ترسمها إسرائيل لنفسها، ونعجز نحن العرب عن قراءة انعكاسها في ذهن الآخر، فضلاً عن تأطيرها. مشكلة بيرستون وآخرين أنهم يعتقدون أننا نعرفهم أكثر مما يعرفون أنفسهم، وأننا نجيد النظر الى صورتهم الحقيقية، وفي نفس الوقت نعتقد نحن أنهم يعرفوننا أكثر مما نعرف أنفسنا. ولكن الواقع أنهم ينجحون في رسم صوتنا ونفشل في رسمهم.

المقال الذي ترجمته "نيويورك تايمز" للروائي الإسرائيلي آموس أوز يقدم صورة إسرائيل وهي ترفع السوط الذي استمر يجلد اليهود منذ ألفي عام، على حد تعبيره، ويكمل الكاتب: "الذي لم تفهمه إسرائيل حتى الآن انها لن تستطيع إنهاء حركة حماس لو هاجمتها بقوة تعادل القوة السابقة مئة مرة، ولو احتلت القطاع وغادرته مئة مرة، لأن حماس ليست قوة مقابل قوة إسرائيل؛ إنها فكرة ولا يمكن أن تهزم الفكرة إلا بفكرة أكثر جاذبية وأكثر قبولاً منها".

الذي يفهمه الإعلامي والمثقف والصحافي والقارئ الإسرائيلي اليوم ولا يفهمه السياسي العسكري أن اليهود ليسوا وحدهم على الأرض وليسوا وحدهم في القدس، وإن لم يدركوا تلك الحقيقة فسيبقى حصار غزة وسيبقى حصار إسرائيل الدولي وستسقط صورة الدولة الديمقراطية الوحيدة.

شكراً د. موضي

المسرح المدرسي هو الدعامة الأولى للحركة الثقافية، والاهتمام به يضاهي الاهتمام بالعلوم والرياضيات. إذا استطعنا أن نصنع جيلاً يفهم ويدرك أهمية المسرح الجاد أسقطنا في المستقبل كل هذا العبث والإسفاف المسرحي والدرامي والغنائي، وأعدنا الصورة الراقية لثقافتنا. شكراً د. موضي وأتمنى ألا يرهبك صراخ اللحى، وليتهم ينشغلون عنك بعدد رضعات الكبير مقارنة بالصغير!