عقد المتحدث الرسمي للحزب الإسلامي الصومالي المعارض الذي يتزعمه الشيخ ذواللحية الحمراء حسن طاهر أويس مؤتمراً صحافياً ليعلن فيه نبأ مهماً ألا وهو صدور تعليمات جديدة من الحزب بوجوب إطلاق اللحى وحف الشوارب، وقال: بداية من اليوم يجب على الرجال البالغين إطلاق اللحى وقص الشوارب، ومن لا يحترم هذه القاعدة فعليه أن يتحمل العواقب، وأضاف مبرراً "إن إطلاق اللحية هو واجب أخلاقي أمر به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعلينا أن ندافع عن هذه الممارسة الدينية" وأعطى الحزب الإسلامي مهلة للرجال البالغين مدة 30 يوماً لتنفيذ هذه التعليمات، ومن لا ينفذها بعد هذه المهلة فسيواجه بعقوبات صارمة من قبل "جيش الحسبة" المسلح.

Ad

 ولم يكتف الناطق الرسمي بإعلان هذه التعليمات، بل شرح وفصّل المطلوب بالتحديد، حتى لا يترك عذراً للمخالفين، فحدد اللحية الشرعية النموذجية المطلوبة بقوله "لا نسمح بإطلاق اللحى والشوارب معاً، كما لا نسمح بحلقهما معاً، بل يجب إطلاق اللحى وحف الشوارب معاً".

 تأتي هذه التعليمات المتشددة في إطار سلسلة من التعليمات الأكثر تشدداً، ويسعى الحزب الإسلامي الصومالي من خلالها إلى تحقيق غايتين:

1 - استكمال خطوات تطبيق الشريعة الإسلامية بحسب المفهوم المتشدد للحزب، وفرضها على كل مظاهر الحياة العامة في الصومال، والتحكم بسلوكيات الناس وهيئاتهم عبر سلسلة من الإجراءات الصارمة متمثلة في فرض الحجاب الثقيل على النساء ومن تخالف تتعرض للضرب والإهانة، وحظر بث الموسيقى والأغاني من المحطات الإذاعية في مقديشو، وتقصير البنطلون لأن إطالته محرمة شرعاً، وإغلاق دور السينما لأنها طريق إلى الفجور والانحراف، وإغلاق المحال التجارية في أثناء تأدية الصلوات، والفصل بين الجنسين في الحافلات، كما أضاف الحزب تحريماً جديداً لم يسبقه إليه أحد من الجماعات المتشددة، وهو حظر مشاهدة مباريات كأس العالم التي تقام حالياً في جنوب إفريقيا بحجة أنها تضييع للوقت، وقد قتل ملثموالحزب شخصين، وأغاروا على البيوت واعتقلوا العشرات بتهمة خرقهما حظر مشاهدة المباريات! تأمل مهازل هذه الجماعة المتشددة حين جعلت مشاهدة مباراة كرة القدم جريمة يعاقب عليها الإنسان تحت غطاء ديني!

2 - المنافسة الدامية على كسب الأنصار والنفوذ والأرض ضد الحركة الأخرى الأكثر تشدداً، والتي أعلنت من قبل ولاءها لـ"القاعدة" وزعيمها بن لادن، وتسمى في الأدبيات الجهادية بـ"طالبان إفريقيا"، وهي حركة "الشباب المجاهدين" التي لها تسميات مختلفة: حركة الشباب الصومالية، حركة الشباب، حركة المجاهدين، وكلها تسميات لها دلالة واحدة تطلق على فصيل صومالي مسلح ذي توجه سلفي متشدد وجهادي، وكانت جزءاً من الميليشيات التابعة لاتجاد المحاكم الشرعية التي ناوءت الحكومة الشرعية الانتقالية والمدعومة من المجتمع الدولي ومنظمة الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، ونجحت في فرض سيطرتها على مقديشو، وبدأت الزحف على بقية المدن الصومالية معلنة الجهاد الديني ضد إثيوبيا بهدف توحيد الصومال ليشمل كل المناطق التي تتحدث الصومالية مثل كينيا وإثيوبيا وجيبوتي في دولة إسلامية واحدة تحت راية المحاكم الإسلامية بزعامة الشيخ أويس، الأمر الذي أدى إلى قلق المجتمع الدولي وتخوفه من أن تتحول الصومال إلى معقل لـ"القاعدة"، فهب لدعم الحكومة الانتقالية وانتهى بهزيمة المحاكم الإسلامية، وهروب قادتها إلى الخارج، ثم تحالفها مع المعارضة الصومالية في مؤتمر أسمرا في سبتمبر 2007، وكان هذا التحالف عاملاً رئيساً في انشقاق حركة الشباب المجاهدين عن المحاكم، بتهمة التحالف مع العلمانيين والتخلي عن الجهاد في سبيل الله.

 كل الظواهر والمؤشرات الحالية تدل على أن الصومال متجهة نحو"الأفغنة" على يد هذه الجماعات الأصولية المسلحة ما لم يتدارك المجتمع الدولي هذا الوضع الكارثي، ومن مهازل هذه الجماعات المسلحة التي ترفع راية الجهاد وتقاتل بعضها بعضاً، مزاعمها العريضة أنها تسعى إلى دولة إسلامية، تطبق الشريعة بينما كل سلوكياتها العملية وتصرفاتها على الأرض مع المواطنين ومع الأقليات الدينية تناقض تماماً كل مبادئ وقيم الإسلام السمحة، فهل من مقتضيات الجهاد أن يقتل المسلم أخاه المسلم في سبيل السلطة والاستحواذ على النفوذ؟! وهل تطبيق الشريعة ينحصر ويختزل في مرسوم للمحرمات والكبائر؟! أين قيم العدالة والشورى والتسامح والحرية وحقوق الإنسان التي هي القيم الأساسية في الشريعة؟ ومن قال إن الشريعة تحرم مشاهدة المباريات؟! لقد بلغ الاستخفاف بحياة الإنسان لدى هذه الجماعات التي تدعي الإسلام والجهاد، أنها لا تتورع عن قتل الناس لأدنى سبب!

 نشرت "الغارديان" تقريراً مرعباً عن التصرفات الوحشية لبعض العناصر التابعة لحركة الشباب المجاهدين، عبر مقابلات مع نساء ورجال تعرضوا لأنواع من التصرفات الخارجة على الشريعة والقانون في المناطق التي تسيطر عليها الحركة، وتنوعت هذه التصرفات اللا أخلاقية بين الاغتصاب والقتل والسرقة، وتختم "الغارديان" مقابلاتها مع الضحايا بالقول: كم من قصص وحشية تسمعها عبر جولة بسيطة في تلك المخيمات التي يحاصرها البؤس والمرض والجوع والانكسار، والتي تقع على بعد 20 ميلاً غرب مقديشو، وهي موطن لأكبر تجمع من المشردين في العالم، حيث يعيش أكثر من نصف مليون نسمة على جانب الطريق ويقتات العديد منهم أوراق الشجر!

 في هذه البيئة البائسة تريد هذه الجماعات المتشددة تطبيق مرسوم المحرمات أو الكبائر الشبيه بمرسوم الكبائر الطالباني المقبور، والذي صدر في 17/12/1996 وجثم على رقاب الأفغان 5 سنوات حتى أذن الله بزوال كابوس "طالبان" وتشريدهم في الجبال مع زعيمهم وضيوفهم "القاعدة"، فمزاعم هذه الجماعات وتمسحها بالشريعة والجهاد وإصدارها مرسوم الكبائر، تذكرنا بمزاعم الجماعات الجهادية الأفغانية التي كانت تتصارع على السلطة وتقاتل بعضها.

 وللمرء أن يتساءل- متعجباً- على ماذا يتقاتل هؤلاء المجاهدون؟! والجواب البسيط، أنهم يتقاتلون على السلطة! ولكن ما قيمة السلطة في بلد هو أحد أفقر بلدان العالم قاطبة حسب تقرير الأمم المتحدة، يعاني حروبا أهلية مستمرة، ومنذ 18 عاماً، ويحاصر أهله مثلث الجوع والفقر والمرض إضافة إلى انعدام الأمن، بلد يعتمد أكثر من 40% من سكانه على المساعدات الغذائية الخارجية، ويعاني 20% من أطفاله سوء التغذية، وآلاف الأطفال يجندون منذ نعومة أظافرهم في الحركات المسلحة والجيش.

 أطفال الصومال جيل شب في الشوارع، وحرموا من التعليم واللعب، وتوقفت عظامهم من النمو بسبب المجاعة، ودمرت حياتهم النفسية بسبب عمليات القتل التي شاهدوها!

 تقول إحصاءات المفوضية العليا للاجئين: إن أكثر من مليون و400 ألف من سكان الصومال شردوا داخل بلدهم بسبب الحروب المستمرة، وإن عدد اللاجئين المسجلين في الخارج أكثر من 600 ألف، يضاف إليهم 300 ألف غير مسجلين، فهل تستحق هذه السلطة أن تتقاتل الجماعات الجهادية عليها؟! ويقول عثمان ميرغني "في ظل هذه المأساة تتقاتل الميليشيات على النفوذ غير آبهة بتقطيع البلاد ومعاناة العباد، وحتى لا يسارع أحد إلى القول بأنها تقاتل من أجل مشروع إسلامي فإن أكبر دليل على أن القضية صراع سلطة ونفوذ، هو أن هذه الميليشيات تتصارع وتتقاتل لا بسبب خلافات دينية، وإنما من أجل وضع اليد على السلطة، بل إنها تحارب الآن ضد رئيس خرج من رحم هذه الحركات ذاتها".

 ويبقى في النهاية أن نطرح هذه التنساؤلات أمام كل هذه الجماعات المسلحة والمسيسة، الساعية لتكوين دولة دينية، وهي: لماذا تحرص هذه الجماعات على تشويه صورة الإسلام أمام المجتمع الدولي عبر إصدار مثل هذه المراسيم التي تسيء للإسلام والمسلمين؟! ولماذا الحرص على إبراز الأشد والأسوأ في التراث الفقهي؟! ولماذا التضييق على الناس والحجر على الحريات وانتهاك الكرامات؟! ولماذا الانحياز دائماً إلى جانب العقوبات المغلظة والتمسك بالمظاهر والشكليات؟ وأين الشورى والإصلاح وحقوق الإنسان وكفالة الحريات؟! ولماذا العداء- دائماً- لحقوق المرأة والأقليات الدينية؟! ولماذا استعداء المجتمع الدولي وإعلان التحدي والمواجهة ورفع راية الجهاد؟! وأين الدعوة بالحسنى؟ وأين قوله تعالى "وقولوا للناس حسنا".

 * كاتب قطري