من الملاحظ طغيان أعمال مجلس الأمة وما يقوم به أعضاؤه على الحياة العامة في الكويت، فلا يكاد حديث جاد بين شخصين عن الحياة العامة في الكويت أو أي نقاش في المنتديات العامة يخلوان من التطرق لما يجري في مجلس الأمة وتصريحات أعضائه وتصرفاتهم، زد على ذلك أن "المانشيتات" العريضة التي تغطي الصفحات الأولى  للصحف اليومية والأخبار الرئيسة في المدونات الإلكترونية تركز جميعها على كل صغيرة وكبيرة يقوم بها أعضاء مجلس الأمة، وهو ما يتطلب دراسة علمية متأنية ليس هنا مجالها لأن ذلك وضع غير طبيعي وغير صحي قد لا تجد له مثيلاً في العالم الديمقراطي أجمع.

Ad

من جانب آخر لعلنا نلاحظ أيضا تذمر الأغلبية العظمى من الناس، وهم محقون في ذلك، من أداء أغلب أعضاء مجلس الأمة لاسيما في السنوات الأخيرة مع الإشادة بما كان عليه أداء مجلس الأمة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وهنا دعونا نتساءل سوياً: ترى ما الذي حصل؟ ولماذا كان أداء أعضاء المجلس متميزاً في السابق ثم تردى في العقود الثلاثة الأخيرة؟

للإجابة عن هذين السؤالين لابد من معرفة المنعطفات السياسية التي مر بها تطورنا الديمقراطي خلال العقود الثلاثة الماضية وطبيعة القوى الاقتصادية والسياسية المسيطرة خلال تلك الفترة، التي من المفترض أن تحمل وحدها تبعات ما وصلنا إليه من تردٍّ في وضعنا العام الذي تعكسه بشكل جلي وواضح طبيعة القضايا التافهة التي تطرح على الساحة السياسية، وكذلك الوعي السطحي والثقافة السياسية المتدنية لأغلبية أعضاء المجلس منذ مجلس 1981 حتى الآن مقارنة بما كان يطرح في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ونوعية أغلبية أعضاء المجلس في ذلك الوقت.

حسبنا هنا أن نشير الى أن تفتيت الدوائر الانتخابية الذي قامت به الحكومة منفردة عام 1980، ورعايتها للتيارات الدينية السياسية منذ ذلك الحين، قد ساهما مساهمة كبيرة في بروز الانتخابات الفرعية القبلية والطائفية، إذ كانت بدايتها انتخابات فرعية طائفية في منطقة الدعية عام 1980 ثم انتشرت بعد ذلك في بقية المناطق الانتخابية لاسيما ذات الثقل القبلي.

ومن المعروف أن دعاة الطائفية والقبلية والفئوية لا يطرحون برامج سياسية ينتخبهم الناس بناء عليها، بل يعتمدون في حملاتهم الانتخابية على تأجيج المشاعر ودغدغة العواطف والتفرقة بين البشر لاعتبارات غير موضوعية، لذلك فإن المتابع الموضوعي لابد أن يلحظ أن تفتيت الدوائر الانتخابية ورعاية الحكومة للتيارات الدينية السياسية في مقابل التضييق على القوى الوطنية الديمقراطية قد ساهما، ضمن أمور أخرى كثيرة بالطبع ربما نتطرق إليها في مقال قادم، في الانحسار التدريجي لنفوذ التيار الوطني الديمقراطي الذي يطرح برنامجاً سياسياً وطنياً عاماً للمواطنين كافة، ويقدم عناصر وطنية مثقفة سياسياً ومدربة ميدانياً، إذ لم يعد هذا التيار يمثل منذ بداية الثمانينيات الوزن السياسي نفسه الذي كان يمثله في بدايات العهد الدستوري، ناهيك عن خسارة أغلب عناصره للانتخابات العامة منذ ذلك الوقت.  وعلى النقيض من ذلك ونتيجة أيضاً لعدم تنظيم العمل السياسي على أسس وطنية ودستورية فقد تسيدت المشهد السياسي في السنوات الأخيرة، ولم تزل، عناصر وقوى دينية سياسية ذات توجه طائفي، أو عناصر قبلية تبحث عن البروز والوجاهة الشخصية والمصلحة الضيقة، أو عناصر انتهازية فردية النزعة تجمع كل متناقضات الدنيا من أجل تحقيق طموحاتها الشخصية ومصالحها الخاصة.  ولقد برهنت الأيام أن هذه القوى والعناصر الطائفية والقبلية والانتهازية لا تقدم برامج سياسية وطنية تتصدى لتنفيذها عناصر وطنية تحمل الهموم الوطنية العامة، كما كان عليه الوضع السياسي في الستينيات والسبعينيات، بل على العكس فإنها تحمل برامجها الخاصة ذات المصلحة الضيقة التي لعبت، مع كل أسف، دوراً سياسياً سيئاً أدى، مذاك الحين، إلى تردي الوضع السياسي العام وسوء أداء أعضاء مجلس الأمة تدريجياً، وهو الأمر الذي يتعين على الحريصين جميعاً على إقامة الدولة الدستورية الديمقراطية التي وضع أسسها دستور 1962، الانتباه له والعمل على تغييره لأن تطورنا الديمقراطي سيواجه انتكاسات خطيرة في المستقبل القريب ما لم نبدأ سريعاً بعملية الإصلاح السياسي.