إنجاز قانون المعاقين في مجلس الأمة يعد أثمن هدية تقدم لذوي الاحتياجات الخاصة ممن حرموا نعمة الصحة الكاملة، وبلا فضل أو منّة من أحد، فمسألة دمج أصحاب الإعاقات المختلفة في المجتمع المدني بكل أوجه نشاطه وعمله، واجب حضاري وإنساني بحت، وجزء لا يتجزأ من مشاريع التنمية البشرية المستدامة، بل يكمن البعد الجمالي في هذا الموضوع في مزيج الدمعة والأمل لهذه الشريحة من البشر، دمعة الحرمان من العافية التامة ودمعة حزن الأهل والمحبين ودمعة السهر مع الألم والمعاناة، مقابل الأمل في قبول روح التحدي والأمل بالحس الإنساني في مجتمع الأصحاء والأمل في ضرورة تجدد الحياة واستمرار العطاء.

Ad

والقانون الجديد للمعاقين بقدر ما يحمل مثل هذه الرسالة لأصحاب الحق إلا أنه يوجه رسائل عدة لعدد من الأطراف، أولهم الأعداء الرئيسيون للمعاقين من مدّعي الإعاقة والمزاحمين لهم في حقوقهم وامتيازاتهم، فقد حدد القانون ضرورة إعادة تقييم وغربلة الملفات لفرز المتلاعبين والمستغلين للكثير من المزايا والعطايا ليس على حساب المال العام فحسب، بل لبخس أحقية المعاقين الحقيقيين في الحصول على جودة الخدمة والاهتمام اللائق والمستحق.

والرسالة الأخرى توجه إلى بعض القائمين على شؤون المجلس الأعلى للمعاقين ممن سولت لهم أنفسهم، وعبر سنوات طويلة، باستغلال مناصبهم وصلاحياتهم للتلاعب والتزوير والإهمال واتباع سياسة التنفيع، وتكريس تلك المواقع المهمة حتى لمصالح تجارية خاصة، فالقانون الجديد وضع هيكلية جديدة للهيئة العليا القادمة، وبرئاسة سياسية عالية المستوى، يمثلها النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وعضوية الوزراء المعنيين في شؤون المعاقين وآخرين من أصحاب الكفاءات والاختصاص، إضافة إلى تمثيل جمعيات المجتمع المدني ذات الصلة المباشرة بهموم وقضايا الإعاقة، ويفترض في مثل هذه المنظومة الجديدة اتخاذ كل إجراءات الحزم والمساءلة وتفعيل مواد القانون ضد المزورين والمتلاعبين والمهملين من داخل المؤسسة الجديدة وخارجها على ضوء العقوبات القاسية التي تنتظرهم هذه المرة!

أما التحدي الأكبر فهو عنوان الرسالة الثالثة التي توجه إلى الحكومة في تحقيق الأهداف السامية والنمطية ذات المعايير العالمية التي احتضنها القانون، وفي ظل خطة التنمية التي أقرها البرلمان أخيراً، مدعومة بميزانية ضخمة تزيد على الثلاثين مليار دينار للسنوات الأربع القادمة.

وبالتأكيد فإن الاختبار الأصعب في التحدي يتمثل في التعليم باعتباره عصب التنمية وشريان حياتها، فما ورد في قانون المعاقين الجديد بشأن الارتقاء بمستوى الخدمات التعليمية ومدارسها ومراكز تشخيص صعوبات التعليم وبطء التعلم ومعاهد التأهيل والمناهج الدراسية فيها وتكنولوجيا المعلومات الداعمة لها، سيكون منعطف طريق ومؤشراً دقيقاً على مسار نجاح التعليم في الكويت ككل.

فإذا نجحت الحكومة، ووزارة التربية تحديداً، في اختبار التعليم في ميدان المعاقين، فمن المؤكد أنها ستكون أقدر على حمل خطة تعليم الأصحاء وانتشال جسم التعليم المريض على جميع المستويات!

والقانون قد أعطى الوقت الكافي، ولعل أكثر بكثير من الفترة الزمنية المنطقية والمعقولة، لوزارة التربية بالذات للبدء في مشروع تعليم المعاقين، فقد منح القانون مدة ثلاث سنوات لاستكمال مراكز تشخيص صعوبات التعليم وبطء التعلم فقط على الرغم من أن الأغلبية العظمى من الحالات قد شخصت بالكامل! كما حدد القانون ثماني سنوات لإنشاء مراكز التأهيل لهم، وهذه فترة تكفي وحدها لإنجاز خطتين كاملتين للتنمية في أي بلد وليس خطة واحدة فقط! فهل يبقى من عذر بعد كل مقومات النجاح هذه إذا أخفقت الحكومة ووزارة التربية في هذا المشروع الوطني غير المسبوق بأن نهدي كل معاق إنجازاً حقيقياً مع التحية؟!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة