لا يبدو أن حكومتنا الرشيدة ذات الأيدي الأمينة، قد استوعبت أنه لا يوجد دولة على هذه البسيطة لا يوجد فيها انتهاكات لحقوق الإنسان، من أميركا إلى الصين إلى أوروبا إلى إفريقيا إلى آسيا، إلى بلاد العربان والغربان.

Ad

وعلى هذا الأساس، لا يصحُّ لا للكويت أو لغيرها، القول إن سجلنا ناصع البياض، فالحالة الحقوقية ليست صابوناً للغسيل يجعله أكثر بياضاً، أو معجون أسنان يجعل أسنانك تلمع بياضاً، بل هي عملية مستمرة تنتكس حيناً وتنحدر أحايين أخرى.

دول العالم كلها دون استثناء، توجد فيها انتهاكات إنسانية، ولا تُستثنى الكويت، وبالتالي فإن الحالة الاحتفالية والتهاني المتبادلة بين المسؤولين وكأننا خرجنا من معركة منتصرين، هي حالة تنمُّ عن ضعف أكثر منه قوة.

ما جرى في جنيف لم يكُن معركة أساساً، وهنا لا يقتصر الأمر على الكويت، فقد اتفقت الحكومات، وهي المُنتهِكة والمُتهَمة بانتهاك حقوق الإنسان على اختطاف عملية الاستعراض الدورية التي تتم أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، لماذا؟ لأن كل حكومة تريد أن تخرج بأقل قدر من الخسائر أمام المجتمع الدولي، ومنذ بدء العملية قبل سنتين تقريباً، تعلمت الحكومات كيف تتجاوز المراجعة الدورية لسجلاتها، بأساليب المراوغة، والتحايل، والتدليس، ويتم ذلك عن طريق تبادل الأدوار، فتقف حكومة لمدح حكومة أخرى جاء دورها، لتتوقع تلك الحكومة المادحة نفس المديح من الحكومة التي مدحتها، وتنتهي العملية بلا غالب ولا مغلوب، بل إن التلاعب الذي تمارسه الحكومات أضعفَ الاستعراض الدوري إلى درجة كبيرة.

ما فائدة هذه المراجعة الدورية إذاً؟ فائدتها أنه لأول مرة تصبح هناك آلية لعرض قضايا حقوق الإنسان لكل دول العالم، وهي خطوة إلى الأمام لكنها قاصرة.

ليس هذا تقييماً لما جرى في جنيف، بل سنفصِّل ذلك لاحقاً، فتقرير الكويت سيُعتمد بشكل رسمي في سبتمبر، كما سيعقد وفد المجتمع المدني المشارك في جنيف جلسة تقييمية السبت المقبل، ولا يفوتني هنا الإشادة بالمشاركة الشعبية الرائعة التي قادتها الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان وجمعية المقومات الأساسية لحقوق الإنسان، رغم ما ذكرتاه عن مضايقات تعرضتا لها من قِبل الوفد الرسمي، للأسف.

الموضوعات التي علينا في الكويت، حكومةً وشعباً ومجلسَ أمة، أن نتعامل معها بجدية، هي كالتالي: إنشاء هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان، تجريم الاتجار بالبشر، إنهاء المعاملة اللاإنسانية للبدون، إنهاء أشكال التمييز ضد المرأة، توفير الحماية القانونية للعمالة المنزلية، تطبيق الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الكويت كقوانين محلية، كما نصت عليه المادة 70 من الدستور، الالتزام بتقديم التقارير الدولية المطلوبة من الكويت في وقتها، دعوة المقررين الدوليين كل في مجاله إلى زيارة الكويت، والتصديق على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية وحماية حرية التعبير.

إذاً، هناك ملفات تحتاج إلى المعالجة والتنفيذ وتقليل الشعارات، وعلى نواب الأمة إبداءُ شيءٍ من الاهتمام والمتابعة والرقابة في كل القضايا من خلال لجنة برلمانية، لكي لا نقع مرة أخرى في التعسف الجاري حالياً في التعامل مع قضية الكاتب والمحامي محمد عبدالقادر الجاسم، والمطلوب على جناح السرعة الإفراج عنه، وكذلك أن يتقدم النواب المهتمون بتعديل تشريعي للقانون الذي يمنح النيابة العامة سلطة مطلقة في حجز المتهم، الذي هو بريء حتى تثبت إدانته.