كل الاحتمالات واردة

نشر في 09-07-2009
آخر تحديث 09-07-2009 | 00:00
 صالح القلاب حذّر وزير خارجية ألمانيا فرانك شتاينماير خلال توقّفه في بيروت في إطار جولته الشرق أوسطية الأخيرة، من احتمال قيام إسرائيل بعمل عسكري ضد لبنان للهروب من أزمتها الداخلية وتصديرها إلى الخارج، وهناك احتمال، وهو احتمال ضئيل جداً، أن يوجه الإسرائيليون ضربة جديدة إلى غزة، ربما بعد الإفراج عن جلعاد شاليط، لخلط الأوراق الفلسطينية المختلطة أساساً حتى التُّخمة، والتي هي ليست في حاجة إلى من يخلطها.

وبالطبع، فإن هناك احتمالاً جديّاً أن تلجأ حكومة بنيامين نتنياهو إلى الهروب من الضغط الأميركي والدولي الذي تتعرض له لإلزامها بكل استحقاقات عملية السلام، بتوجيه ضربة ولو "تلفزيونية" إلى إيران، لتوجيه الأنظار نحو دائرة أوسع، ولتعطي أولوية لوجهة نظرها القائلة بضرورة معالجة القضية الفلسطينية في إطار المعالجة الأشمل لمشاكل المنطقة.

وحقيقةً، إنه غباء ما بعده غباء أن تُقدِم إسرائيل على عمل متهوّر كهذا، لأن العواقب ستكون وخيمة، ولأن ما قد تُقدِم عليه لن يكون عملية جراحية نظيفة، فإيران في وضع أفضل ألف مرة من وضع العراق عندما دمرت مفاعله النووي القاصفات الإسرائيلية، والمؤكد أن الإيرانيين سيردّون حتماً باستهداف مفاعل "ديمونا" النووي، وهذا سيغرق المنطقة كلها في فوضى سيكون للدولة الإسرائيلية نصيب وافر من نتائجها الوخيمة.

لا تستطيع إسرائيل أن تحقق ما تريده وأن تدمر المنشآت النووية الإيرانية، فإيران ليست لقمة سائغة، وحتى تصل القاصفات الإسرائيلية إلى أهدافها المنتشرة والمتباعدة، فإنها ستضطر إلى مد يدها طالبة المساعدة والمساندة الأميركية، وهذا إن حصل فسيُقحم أميركا إقحاماً في حروب كثيرة غير تقليدية، سواء كان في العراق أو حيث للولايات المتحدة وجود عسكري وغير عسكري بالعديد من الدول العربية والإسلامية.

إذا قامت إسرائيل بهكذا مغامرة، فإنها ستُكرر ما قاله شمشون "عليَّ وعلى أعدائي"، وبنيامين نتنياهو حتى إذا تمكن خلال مثل هذه المغامرة، من خلط الأوراق في الشرق الأوسط وتجنّب ما يتعرض له من ضغوط لدفع استحقاقات عملية السلام، ولو مؤقتاً، فإنه في النهاية سيدفع الثمن كما دفعه في عام 1999، وسيكون ذلك نهاية حياته السياسية.

وإذا قامت إسرائيل بهكذا مغامرة، حتى إن جاءت في هيئة عملية "تلفزيونية"، فإنها ستضع كل الأسلحة في يدي محمود أحمدي نجاد للإجهاز على الإصلاحيين، بتحشيد الرأي العام الإيراني ضدهم، بحجة أنهم عملاء ومتواطئون، واجتثاث ظاهرتهم من جذورها، كما اجتُثّت حركات نهضوية بدأت واعدة في أقطار عربية مهمة وأخرى إسلامية، لكنها انتهت بسبب مثل هذه الحجة، والمعروف أن هؤلاء كانوا منذ البداية يخشون لعبة خارجية كهذه اللعبة، لذلك ناشدوا الولايات المتحدة والغرب عموماً، ألّا يُظهرا أي تعاطف معهم وأي تأييد لقضيتهم، والمؤكد أنهم الآن يضعون أيديهم على قلوبهم خوفاً من أن يلجأ الإسرائيليون إلى عدوان "تلفزيوني" على إيران، سيستخدمه المتشدّدون حتماً كذريعة للإجهاز على هذه الظاهرة الواعدة.

وما يُعزز هذا الاحتمال، أن بعض المسؤولين الإسرائيليين لم يتورّع عن إظهار خشيته، من أن يحقق الإصلاحيون هدفهم بالقيام بثورة ضد الثورة، فالرئيس محمود أحمدي نجاد بالنسبة إلى اليمين الإسرائيلي، هو الدجاجة التي تبيض ذهباً، فتصريحاته المُنفلتة من عِقالها، تبرر لهذا اليمين مواقفه المتشددة ورفضه استحقاقات عملية السلام وممارساته الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني.

كاتب وسياسي أردني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top