سر التركيبة

نشر في 28-09-2009
آخر تحديث 28-09-2009 | 00:00
 فوزية شويش السالم انتهت موضة المسلسلات المكسيكية، وحلت بدلا منها المسلسلات التركية، وفي حياتي لم أشاهد أيا منها إلا في هذا الصيف، إذ كانت في الفندق الذي أقمت فيه قناة تعرض خمسة مسلسلات تركية في آن واحد.

وبالمصادفة شدني مشهد من مشاهد مسلسل «ميرنا وخليل» وكان يمثل مطاردة عنيفة، وبالتالي جذبني إلى متابعة الحلقات اللاحقة له، وأتذكر منذ عامين حين عدت إلى الكويت بعد انتهاء عرض المسلسل التركي الأول «نور ومهند» كيف كانت حالة الناس بعد مشاهدة المسلسل، كانت هناك حمى وصرعة اجتاحت العالم العربي اسمها مهند ونور، وكل من حولي مشغول بها، والكل يتحدث عنها بما فيها الصحافة والقنوات الفضائية، واستغربت جدا من انتشار هذه الحالة التي أصابت الجميع، ووقعوا في غرامها من المحيط إلى الخليج، اتفق الكل ولأول مرة على رأي واحد وهو الإعجاب بالمسلسل التركي وبأبطاله، خاصة بالبطل المسمى مهند. وبما أنني لم أشاركهم متعة هذه المشاهدة، فبالتالي لم أفهم سر تعلقهم بهذا المسلسل المدبلج إلى العربية، التي أراها تضيف تصنعا وعدم مصداقية للأداء، ولم أدرك ماهية أسباب نجاح المسلسلات التركية في الوطن العربي، وعلى حسب ما قرأته وما سمعته أن الأمر يعود إلى رومانسية المسلسل، وإلى جمالية التصوير الخارجي، الذي تعتمد عليه الأعمال التركية بشكل كامل، فكل المشاهد تدور خارج الاستديوهات وفي مواقع طبيعية رائعة، أي انها أيضا سياحة جميلة.

وكتب أيضا أن الناس كانوا في حالة تعطش إلى الأعمال الرومانسية الغارقة في الحب، وجاءت هذه المسلسلات لتروي مثل هذا العطش، وحين عُلقت بمشاهدة مسلسل ميرنا وخليل اكتشفت سر تعلق المشاهدين بالمسلسل، في أن السبب الحقيقي وراء هذا التعلق، هو تركيبة الدراما التركية التي تختلف تماما عن الدراما العربية، التي تسير بشكل تصاعدي أفقي مما يمنح المشاهد القدرة على إدراك وتوقع كل الأحداث القادمة، ولن تشده إلى المسلسل إلا قوة التمثيل والأداء المتميز، أو ذاك الفراغ والكسل المتوافر لدى مشاهد يريد تعبئة وقته بأي شيء كان، أو أنه قد اعتاد رؤية ممثلين يزورونه كل يوم بشكل مسلٍ، ولكن نجد أن الدراما التي تسير بشكل متعرج، صادم، لا تمكن المشاهد من تخمين، وتوقع، ومعرفة أحداثها، تجري على عكس التوقعات البديهية، وتحذف المشاهد بعيدا عن كل توقعاته وافتراضاته، وتضعه في سكة توتر وتلهف من جديد، هذا الكسر الدائم للتوقعات والتخمينات، يعيد ربط المتفرج في دوران الساقية. وطبعا الدراما المتعرجة مشوقة جدا ولها قوة أكيدة ومضمونة للجذب، خاصة في حالة الكتابة السينمائية لأن الفيلم محكوم بزمن قصير لا يتجاوز ثلاث ساعات كحد أقصى، مما لا يفتح ثغرة للترهل والملل، لكن الحال تختلف مع المسلسلات المطولة، والتي يضاف إليها عملية «البلاي باك» لكي تزيد من زمن العرض التجاري، مما يضع المسلسل في خانة التطويل الممل، وربما ستكون هذه «المطمطة» التجارية هي نقطة النهاية لهذا السيل المنهمر. 

back to top