أزمة السوق... بخّرت الأموال المدارة
شركات الاستثمار فقدت 5 مليارات دينار في 2009
حسب البيانات الرسمية، تراجع حجم الأموال المدارة لمصلحة الغير لدى 100 شركة استثمار حوالي 4.97 مليارات دينار، من 25.39 ملياراً كما في نهاية 2007 إلى 20.42 ملياراً في نهاية 2009. وبلغت نسبة التراجع هذه 19.5 في المئة في عامي الأزمة 2008 و2009.
يبدو أن السياسات الاستثمارية التي بدأت تنتهجها، أو تعلنها شركات الاستثمار في الفترة الاخيرة والتي تتلخص في تخليها عن انشطة معينة والاتجاه الى انشطة اخرى اجدى نفعا في الوقت الحالي، نظرا إلى طبيعة المرحلة لم تكن نهاجا اختياريا.فكما كان للأزمة المالية اثرها السلبي في جميع القطاعات ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بالاقتصاد، اذ تأثر قطاع الاستثمار لما له من علاقة مباشرة بأسواق المال، متصدعا بما نالته المصارف من نصيب، فقد تأثرت معظم النشاطات التي تعمل فيها شركات الاستثمار خاصة تلك القطاعات المسؤولة عن ادارة اموال العملاء.فعلى الرغم من أن هناك قطاعات قد تتأثر ايجابا بما أفرزته الازمة على باقي القطاعات الاقتصادية الاخرى، اول هذه القطاعات هو قطاع الاستشارات والدراسات الاقتصادية، فإنه من الممكن اعتبار اتجاه الشركات لهذه القطاعات هو مسبب رئيسي لتراجع حجم الاموال المدارة في شركات الاستثمار، كما يمكن اعتباره من وجهة نظر اخرى انه نتيجة طبيعية لتقلص احجام تلك الأموال.فقد أظهرت بيانات رسمية أن الأزمة المالية بخرت نحو 5 مليارات دينار من الأموال المدارة لمصلحة الغير لدى شركات الاستثمار في نهاية العام الماضي، وذلك بالمقارنة بعام 2007.الأموال المدارة للغيرفحسب الأرقام تراجع حجم الأموال المدارة لمصلحة الغير لدى 100 شركة استثمار، حوالي 4.97 مليارات دينار، من 25.39 مليارا كما في نهاية 2007 إلى 20.42 مليارا في نهاية 2009. وبلغت نسبة التراجع هذه 19.5 في المئة في عامي الأزمة 2008 و2009، وقد شهد العام الماضي تراجعا في حجم هذه الأموال بنسبة 7.9 في المئة تقريبا، بينما سجل عام 2008 الهبوط الأعنف.وارجعت أوساط استثمارية أسباب الهبوط في حجم الأموال إلى تدهور قيمة الأصول بشكل عام والسحوبات والاستردادات التي تمت من قبل العملاء على كل المستويات. فالأزمة أظهرت ضعفا في إدارة الأموال لدى الكثير من شركات الاستثمار بما اثر على الثقة بهذه المؤسسات المالية.وافادت الأوساط بأن الصناديق التي تستثمر في الأسواق العالمية شهدت تحسنا في الفترة الماضية. وهذا ما تدل عليه الارقام إذ ارتفع حجم الصناديق الأجنبية من 2.1 مليار دينار في نهاية 2007 إلى 2.3 مليار في 2008 ثم على 2.46 مليار في 2009. وتعتبر الأوساط أن الأسواق العالمية شهدت انتعاشا خلال العام الماضي، عكس ما حصل في سوق الكويت للأوراق المالية.وقالت الاوساط ان من اهم الاسباب الرئيسة لتقلص حجم الاموال المدارة في شركات الاستثمار بهذه المعدلات هو اتجاه الشركات الاستثمارية الى القطاع الاستشاري وتخليها عن نشاط ادارة الاموال الذي اخذ في النمو بمعدلات ملحوظة في الفترة السابقة على الازمة المالية، اذ اشاروا الى ان القطاع الجديد هو القطاع الذي بدأت انظار الكثير من الشركات الاستثمارية في الكويت ترنو اليه باعتباره المنقذ الوحيد، عملا بمبدأ "اللي تغلب به العب به"، وبالفعل كشف الكثير من الشركات عبر تصريحات مسؤوليها عن استراتيجية باتت معممة في الفترة الاخيرة، وهي التوجه او التركيز على الجانب الاستشاري (العمولات) والوساطة.الكثير من الاسباب كانت وراء تلك الموجة اولها ان القطاع الاستثماري، ولاسيما في ما يتعلق بأنشطة التجارة بالأسهم اصبح غير مدر في وقت يعزف الكثير عن التداول والاسواق المالية عموما، وثانيها هو تدهور قيم الاصول التي كانت تديرها الشركات الاستثمارية عبر نشاط مثّل في السابق عنصري ربح وامان مهمين، الا انها الان اصبحت غير مجدية.عناصر جاذبة في الاستشاراتفي المقابل كان هناك الكثير من العناصر الجاذبة في "الموضة" الجديدة التي خلقتها الازمة، اولها ان الكثير من الشركات في الوقت الحالي في حاجة الى ترتيب الاوراق وتغيير السياسات، وفي حاجة الى مصادر ارشاد وتوجيه خصوصا في ظل تردي أحوالها وأوضاعها المالية، وثانيها هو ما فرضه قانون الاستقرار المالي من شروط على الشركات التي تريد الدخول تحت عباءته بتعيين جهة استشارية تدير اوضاعها، حتى تستفيد من الدعم الذي يقدمه القانون.واعمالا لذلك وبالاضافة الى اتجاه معظم الشركات الاستثمارية الى التركيز على ذلك القطاع، وظنا بأن السوق الكويتي قد يقدر على استيعاب كل تلك الجهات الاستشارية، شهدت الفترة الماضية استقطاب العديد من الجهات لمؤسسات استشارية اقليمية وعالمية للعمل على تسويقها وتسويق انشطتها عبر عقد ندوات وورش عمل (سمينار) او حتى محاضرات للشركات المحلية، وذلك للترويج عن منتجاتها الاستشارية والاستعانة بها وتعيينها كجهة استشارية للاستفادة من قانون الاستقرار المالي او حتى تجاوز المرحلة بأقل الخسائر.وكان حجم الأموال المدارة لدى الشركات الكويتية يعتبر الأعلى على مستوى شركات المنطقة، حيث كانت تستحوذ على حجم أصول ضخم، وتأتي أكثر من 20 شركة كويتية في قائمة أكبر 50 شركة استثمارية عربية.واشارت مصادر ذات صلة الى ان أغلبية تلك الأصول كانت تدار في السوق الكويتي، فضلا عن اسواق الخليج لاسيما في قطاع العقار في دبي والسعودية من خلال محافظ وصناديق استثمارية وعقارية.كما ان النسبة الاغلب من هذه الأصول كانت تعود لمستثمرين كويتيين وخليجيين أفرادا وشركات، اضافة إلى نسب بسيطة لمستثمرين أجانب من خارج الكويت من خلال مؤسسات مالية دولية. وفي ذلك الوقت، رأت المصادر انه من خلال النمو الذي شهده حجم الأصول والأموال المدارة يتضح ان هناك سيولة عالية مركزة للاستثمار في السوق الكويتي، حيث لم تخرج أموال ضخمة إلى الودائع بلا عودة الى السوق، فضلا عن ان ارتفاع قيم الاصول خصوصا في سوق الاسهم ساهم في شكل كبير بارتفاع حجم الاصول المدارة لدى الشركات حتى ولو لم تضخ سيولة اضافية الى البورصة.تراجع حجم الأموال المدارةالا ان الازمة المالية جمدت ذلك النمو وقلصت احجام الاموال المدارة في الشركات الكويتية الى 20 مليار دينار فقط لاسباب منها:- ضعف العمولات التي يتقاضاها مديرو المحافظ والصناديق والشركات المديرة، بسبب سوء اوضاع السوق وتراجع اسعار الاسهم بشكل حاد مما جمّد حركة هذه المحافظ والصناديق بعد ان كانت احد محركات السوق في ضخ وتدوير السيولة، وبات بعضها يشكل عبئا على الشركات المديرة، بسبب انعدام فائدتها بالنسبة للشركة.- اتجاه الكثير من العملاء الى طلب استرداد اموالهم من الشركات لفقدان الثقة في السياسات الاستثمارية لهذه الشركات، وهو ما اربك اداءها واوضاعها، وجعلها تقع بين ضغط توزيع اي سيولة لتلبية طلبات الاستردادات ورغبة في توفير سيولة بهدف اعادة الهيكلة والتشغيل لتعويض الخسائر.ويمثل هذا الاتجاه احد اكبر التحديات للصناديق والمحافظ، خصوصا ان من يخرج يصعب ايجاد بديل له من المستثمرين حاليا.- تواجه صناديق عبء تدني القيمة السوقية للوحدات الى ما دون القيمة الاسمية البالغة دينارا، اذ توجد عشرات الصناديق وحداتها بأقل من القيمة الاسمية، فضلا عن عدم وجود اية ارباح قابلة للتوزيع يمكن ان تمتص بها غضب العملاء ولو نسبيا.ويبقى هذا الامر مرتبطا بشكل او بآخر بتحسن اوضاع وظروف السوق بشكل عام، كما ان استمرارية اعلان الصناديق لخسائر تشكل عامل ضغط مستمر عليها.- طمع مديرو استثمار في العمولات والبونص نظير تحقيقهم ارباحا من نشاط ادارة الاموال، وهو ما ادى في النهاية الى فقدان هذه المحافظ لأكثر من نصف رأسمالها وبالتالي تقلص حجم الأموال المدارة في معظم الشركات الاستثمارية المدرجة.وفي هذا الصدد، لفتت مصادر الى انتهاج المديرين سياسات استثمارية عالية المخاطر، وذلك لتحقيق أكبر عائد ممكن من العمولات، بما أدى في النهاية إلى تحقيق المحافظ لخسائر كبيرة وتآكل رؤوس أموالها.واشاروا الى ان هؤلاء المديرين بدأوا في نهاية الفترة الفصلية في التركيز على الاشاعات واعادة بثها مرة اخرى، اضافة الى شرائهم لأسهم غير ذات قيمة والمراهنة عليها، بما ادى الى تحقيق خسائر ملحوظة، ومن ثم تراجع ايرادات تلك المحافظ.وكانت الأوضاع التي آلت اليها شركات استثمار ادت الى تراجع رواتب ومداخيل مديري استثمار بشكل ملحوظ، اذ اتجه عدد من الشركات بالفعل الى تخفيض المداخيل المتعلقة بعمولات و«بونص» بعض مديري الاستثمار، بالاضافة الى رواتبهم التي انخفضت بنسبة تفوق الـ50 في المئة، بالاضافة الى قيام الكثير من هذه الشركات بعملية غربلة شديدة على مستوى كوادر مديري الاستثمار.اختفاء بند «البونص»وأوضحت المصادر ان "البونص" أو العمولة، التي كان يحصل عليها هؤلاء المديرون، والتي كانت تفترض بنسبة محددة او "بحد ادنى"، وكانت تذكر في العقد المبرم بينه وبين الشركة، اصبحت الآن إما تشترط على المدير تحقيق الربح حتى يحصل على تلك النسبة، او اختفى هذا البند كليا من بعض العقود المبرمة حديثا، اي سيحرم منها بعضهم.واضافت ان الشركات التي بدأت في تغيير الكوادر العاملة بها، وتبحث عن مديري استثمار جدد اشترطت على المديرين المقبولين لديها ان يكون لديهم محافظ قائمة او تأسيس محافظ فور بدء العمل في الشركات، في محاولة لسحب مبالغ عن طريق مدير الاستثمار، وتعويض المحافظ التي تم غلقها بعد الازمة وانسحاب بعض العملاء من الشركات.• سمعة القطاع المالي، وتحديدا الشركات الاستثمارية، والتعثرات الموجودة في القطاع، اضافة الى المشاكل غير المعلنة، تمثل عامل ضغط على مديري المحافظ الصناديق، اذ يوجه العملاء آلاف الاستفسارات يوميا عن مصير اموالهم في الصناديق.• شح السيولة عموما منذ اندلاع الأزمة بات مشكلة تؤرق الصناديق خصوصا النسب التي تمكنها من تلبية الطلبات التي تواجهها او مواصلتها عملياتها اليومية.• يعاني بعض مديري المحافظ ازمة ثقة مع العملاء فبات اقناعهم بأي اداء صعب حيث يتوجس العملاء من امكانية محاباة بعض كبار العملاء على حساب صغار الملاك واصحاب الوحدات الافراد حيث يعتبرون انفسهم ضحايا الازمات، الأمر الذي يدفعهم باستمرار الى التقدم بشكل مستمر طالبين التخارج، والفرار بما هو متاح حاليا.• تقلص اعداد مديري المحافظ في شركات الاستثمار، فبعد ان كان لدى كل شركة اكثر من مدير استثمار، رأت تخفيض الانفاقات ومن ثم الاستغناء عن كوادر كثيرة، لينحصر الامر على مدير واحد او اثنين على اقصى تقدير وهو ما مثّل ضغطا على اداء هؤلاء وبالتالي تراجع الاداء.