في عام 1922 كانت «الأرض اليباب» أو «الأرض الخراب» في ترجمات أخرى، قد اتخذت صيغتها وشكلها النهائي، وكان أليوت قد بدأ كتابتها منذ 1921، حينما كان يعمل موظفاً مصرفياً، وقد كُتبت القصيدة في الفترة التي كان فيها أليوت غارقاً في العذابات والصعوبات البالغة القسوة، سواء كان في ما يتعلق بحياته المهنية أو حياته العائلية، فضلاً عن ذلك، عدم ثقة أليوت بنفسه، والرؤية الضبابية تجاه ما يريد أن يكون.

Ad

كان أليوت خلال هذه المرحلة من حياته معروفاً، كناقد أو صحافي ينشر مقالات تخص الأدب ودراسات أخرى عن الروح الأخلاقية السائدة في أوروبا آنذاك، وقد نشر بعضاً من دراساته في كتابه «الغابة المقدسة».

ومن غرابة الأمور أن تكون شهرة أليوت كشاعر أتت من الصرح الأكاديمي والجامعي الإنكليزي، لا من الوسط الثقافي الذي كان منغمساً فيه. صحيح أن أزارا باوند انتبه الى أهمية عمل كـ»الأرض اليباب»، مُغيّراً وحاذفاً في القصيدة الأصلية، لكن هذه العملية لم ينظر إليها النقاد إلا باعتبارها عملية شكلية بحتة، لأن أليوت وتحديداً في هذه القصيدة كان قد أمسك بـ»جوهر» ليس العملية الشعرية فحسب، بل فهم عالمه والتوجهات الفكرية التي ستشكل فيما بعد شخصية أليوت الشعرية، وتأثيره الكبير في مجمل تجربة القرن العشرين الأدبية.

وكان الناقد أي. أي. ريتشاردز، العميد الشاب آنذاك، لجامعة كمبردج، أحد الذين انتبهوا مبكراً إلى اشتغال أليوت الشعري، حتى أنه اقترح عليه العمل في كامبردج كأستاذ محاضر، لكن أليوت رفض هذا المقترح وفضل البقاء في المصرف الذي كان يعمل فيه.

على أي حال وجد ريتشاردز في عمل أليوت «خزيناً» لمجموعة من الأفكار المتوهجة في النظرية النقدية، وكان كثير من النقاد الشباب والأكاديميين يرون في «الأرض الخراب» فتحاً لمجال واسع من المعرفة والتأويل في النظرية النقدية، وقد رحب أيضا عدد من الكتاب والشعراء أصدقاء أليوت -بهذا العمل معتبرين أن أليوت وضع قدمه في الطريق الصحيح، ورغم أن الجسر الذي قام بين شعر أليوت والدراسات الأكاديمية، فضلاً عن علاقته الحميمة بريتشاردز، فإن أليوت كما يذكر بيتر أكرويد «لم يشعر بالراحة قط بالقرب من أي شخص»، لكن استبصارات أليوت الفكرية ستظهر بعد هذه القصيدة على نحو أوضح، خصوصاً في السنوات اللاحقة وبعد عمله المهم «أربعاء الرماد»، وسيخطو أليوت على نحو تدريجي يقوده خيط خفي تقريباً الى ما يسمى فيما بعد بـ»المحافظة».

كان أليوت، ينطلق من التراث، والكلاسيكية، وكان البؤس الروحي للإنسان الغربي بعد الحرب الأولى، ثم بحث أليوت عن قيم جديدة أو نهوض آخر، رغم شكوكيته، عنصراً أساسياً في «الأرض اليباب»، لكن قلق أليوت سيتفاقم على نحو أكبر بعد الحرب الكونية الثانية.