من المؤسف أن تتعامل العقلية الحكومية مع كل قضايا المجتمع والوطن بأسلوب مسرحي وهزلي وكأنها ليست حكومة دولة الكويت والسلطة العليا المهيمنة على سياساتها والمسؤول الأول عن مواطنيها، ففي كل يوم تتكرر نفس الأسطوانة ونفس المسرحية عند إثارة قضية تهم شريحة من المواطنين، ولعل آخرها ما عرف بمشكلة الكويتيين المسرحين من القطاع الخاص.
فأول ردود الحكومة تجاه أي قضية مجتمعية تبدأ بنفي وجود المشكلة، ويستمر هذا النفي حتى يتصاعد النقد البرلماني ويدخل حيّز التهديد بالمساءلة، وتصبح المشكلة قضية رأي عام في الصحافة والقنوات الفضائية المحلية ومحور هموم الديوانيات، بعدها تنفتح قريحة الحكومة بالاعتراف بوجود المشكلة بالتزامن مع إعلان عدم مسؤوليتها عن أسبابها وعدم تحمّل نتائجها، لتبدأ عجلة التصعيد من جانب النواب مرة أخرى ويتم تقديم تشريعات لحل المشكلة، وبعد ذلك تفاجئنا الحكومة بحلولها السحرية والسريعة وبكرم حاتمي دلالة على اهتمامها بالمواطنين وهمومهم!وهذا ما حدث بالضبط مع قضية المسرَّحين، حيث أعلنت الحكومة وفي جلسة استثنائية لمجلس الوزراء إيجاد حل للمعضلة بعد أن كانت من أكثر القضايا إثارة على مدى الشهور الستة الماضية، وبنفس السيناريو بدأت الحكومة بإنكار هذه المشكلة ثم اتهام أعضاء مجلس الأمة بالمزايدة السياسية ودغدغة مشاعر الناخبين ولكن بعد إقرار لجنة الشؤون المالية لقانون تعويض هؤلاء المطرودين من وظائفهم وطلب جلسة خاصة وقبيل الإعلان عن تحقق الأغلبية البرلمانية اللازمة لعقد تلك الجلسة المرتقبة فاجأتنا الحكومة بتفاصيل المشكلة وأعداد المسرَّحين وقيمة التعويض لهم والاستعداد لحضور الجلسة الخاصة!فهل يعقل أن يستغرق طلب أعداد هؤلاء المواطنين الـ700 من مؤسسة التأمينات الاجتماعية وفي ظل حكومة إلكترونية ستة شهور؟ وهل يفترض أن يصل هذا الرقم إلى بضع مئات وتضج الدنيا حتى تتحرك غيرة الحكومة على أبنائها؟ أليس من مسؤوليات الحكومة الدستورية تحقيق الضمان الاجتماعي حتى لمواطن واحد إذا ثبت عجزه عن العمل وعوزه للقمة العيش؟ ألم تحس حكومتنا الرشيدة بمعاناة هؤلاء المواطنين والتزاماتهم المعيشية وقوت أبنائهم طوال الشهور الماضية؟يفترض أن الحكومة التي أعدت قانون العمل في القطاع الأهلي والذي تم التصويت عليه في المداولة الأولى خلال الفصل التشريعي السابق، قد اعتمدت على بنك معلومات يتابع حركة التعيينات والتنقلات والتفنيشات في القطاع الخاص، بل الأكثر من ذلك يفترض أن الحكومة قد جهزت اللوائح التنفيذية لهذا القانون أو على الأقل مسودة منها للتعامل الآلي مع المسرَّحين أسوة بأنظمة دول العالم التي تحترم حقوق الإنسان وحقوق العامل، حيث يتم إدراج أسماء المسرَّحين من الخدمة في القطاع الخاص رغماً عنهم على قائمة المستفيدين من الضمان الاجتماعي الحكومي مباشرة.ولكن من الواضح جداً أن المشكلة ليست في القوانين والحلول بل في عقلية الإدارة الحكومية التي وصلت إلى أرذل العمر من حيث التفكير الإبداعي والإحساس بالمسؤولية إضافة إلى عقدة الكثير من الوزراء الذين بمجرد تسلمهم الحقيبة الوزارية تتغير نفسياتهم ويبتعدون عن هموم الناس ويخجلون حتى من إثارة هذه القضايا في مجلس الوزراء وينتظرون الأوامر دون أن يملكوا الجرأة على إطلاق المبادرات بشأنها، في وقت يتسابقون إلى البصم بالعشرة على الحلول المفروضة عليهم من فوق أو من المعازيب الكبار دون عناء التفكير في كلفتها وآثارها مثلما حدث مع قانون الحيتان.وحتى لا يكون الحل الحكومي لمشكلة المسرَّحين بمنزلة قانون الصيصان ومهزلة إعلان الحكومة عن تعويض أكثر من سبعمئة أسرة كويتية بنصف راتب لمدة ستة شهور يجب أن تعقد الجلسة الخاصة لإقرار ما يستحقونه بالفعل هؤلاء المواطنين وأطفالهم وذلك يوم 18 أغسطس حيث «الميه تكذّب الغطاس»!! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
مقالات
المسرَّحون وقانون الصيصان!
04-08-2009