قبل أقل من ساعة على موعد انعقاد اللقاء المُوسَّع لقوى «14 آذار» في البريستول الأحد الماضي بُلِّغ رئيس الحكومة سعد الحريري أن رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط طلب من نواب اللقاء الديمقراطي غير الحزبيين عدم المشاركة في اللقاء، رغم أنهم كانوا قد أَبلغوا الأمانة العامة لقوى «14 آذار» حضورَهم اللقاء الأول من نوعه منذ الانتخابات النيابية الأخيرة في يونيو الماضي.

Ad

وعلى الأثر، قرر الحريري المشاركة شخصياً في الاجتماع في ردٍّ مباشر على ما اعتبره استهدافاً مباشراً لذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في 14 فبراير 2005، من منطلق أن اجتماع البريستول مخصص لتوجيه الدعوة إلى المشاركة في الذكرى السنوية الخامسة لوقوع الجريمة، وأنه إذا كان غياب جنبلاط شخصياً ونواب حزبه يَلقى تَفهُّماً من الرئيس سعد الحريري، فإن دخول جنبلاط على خط خفض مستوى الحضور غير الحزبي لا يمكن فهمه إلا من زاوية «الحرتقة» على المناسبة والعمل على إفشالها إن لم تأتِ بشروط جنبلاط شكلاً ومضموناً.

وقد بات واضحاً أن جنبلاط كان يعمل لإحياء ذكرى الحريري من خلال مناسبة نخبوية غير شعبية في مكان مقفل (مجمع البيال في بيروت) يتولى الدعوة إليها تيار المستقبل وآل الحريري، ويشارك فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري وممثلون عن حزب الله وأطياف قوى «8 آذار» إلى جانب القيادات السياسية والحزبية لقوى «14 آذار».

غير أن القريبين من تيار المستقبل وقوى «14 آذار» أبدوا استغراباً لما وصفوه بالشروط التي تصدر من هنا وهناك بشأن طبيعة إحياء الذكرى، متسائلين: «منذ متى تسمح التقاليد والأعراف السياسية والاجتماعية في لبنان لمن يريد أن يقدم التعازي لأهل فقيد أن يشترط عليهم شكل إحياء مناسبتهم ومضمونها؟!».

وبمعزل عن الشكل المتمثل بحضور الحريري شخصياً للقاء البريستول، أكدت معلومات الحاضرين أن الحريري من خلال مداخلته في الاجتماع حرص على توجيه رسالة سياسية في المضمون إلى جنبلاط ولو بطريقة غير مباشرة من خلال تأكيده أنه ليس في وارد التخلي عن أيٍّ من الجالسين حول طاولة لقاء البريستول لأنهم وقفوا إلى جانبه منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حتى أن الحريري قال حرفياً: «لن يفصلني عن 14 آذار إلا الموت... وأنا أعني ما أقوله».

ويبدو أن الحريري لم يكتف بالإشارتين المذكورتين عن امتعاضه من تعاطي جنبلاط مع مناسبة استشهاد والده، لكنه أرفقهما برسالة ثالثة تمثلت في تأجيل موعد كان قد حدده قبل لقاء البريستول لاستقبال جنبلاط مساء الاثنين الماضي، بحجة تأخر جلسة مجلس الوزراء، علماً أن الجلسة انتهت قرابة الثامنة مساء، وأن معظم لقاءات جنبلاط مع الحريري عادة ما كانت تتم بعد العاشرة ليلاً.

وجاءت زيارة النائب طلال أرسلان ظهر الثلاثاء للحريري الذي استبقاه إلى مائدته، إشارةً إضافية إلى أجواء «العتب العميق» التي تخيم على علاقة الحريري بجنبلاط الذي سبق أن أعلن مراراً أن انعطافته السياسية بخروجه من «14 آذار» لن تؤثر على تحالفه مع الرئيس سعد الحريري.

وبحسب قريبين من الرئيس الحريري فإن أداء جنبلاط لم يعد ينحصر في انعكاساته السلبية على قوى «14 آذار» ولكنه وصل إلى درجة التأثير سلباً على قوة الرئيس الحريري ومواقعه التفاوضية الداخلية والخارجية، ولذلك فإن الحريري لم يعد بإمكانه البقاء مكتوف اليدين، ولو أن ردة فعله لن تصل على الأقل في المدى المنظور إلى حد القطيعة أو الخلاف والصدام مع الزعيم الدرزي.