انتفاضة نجاد تطيح بالنخب والأحزاب!
إن كنت معها أو ضدها تعجبك أو لا تعجبك، متعاطفا معها أو منزعجا من سياساتها، محابيا لها أو متحاملا عليها، متوددا لها أو مناكفا... لا تملك إلا أن تذعن لحيوية شعبها ومجتمعها ورقي ثقافة طبقتها السياسية وعلو همة جمهورها، وهذه سمة غالبة على ما عداها من شوائب ربما شابت العملية الانتخابية.كانت الأرقى يوم الثاني عشر من حزيران/يوينو بين مثيلاتها من الدول والبلدان القريبة والبعيدة من الإقليم والمحيط شبه المتصحر ديمقراطيا لولا بعض بشائر الأمل في تركيا ولبنان.
ومع ذلك ثمة ملاحظات لابد منها يتعلق بعضها بالأداء الإيراني الداخلي، وبعضها بالجانب الآخر الخارجي لاسيما العربي منه في تعاطيه مع ما يجري في إيران، رأيت من الضروري أن أسجلها سريعا ونحن نطوي الانتخابات الثلاثين من عمر دولة الاستقلال الإيراني عن معادلة حكم الأجانب، وذلك من أجل أن يقرأها القريب والبعيد بما يفيد في تبيان الصورة كما هي دون رتوش ولا مغالطة:أولا: لقد وقع الأداء الحكومي في فخ «الديمقراطيات» الغربية عندما تمادى المرشحون في نقد أداء بعضهم بعضا إلى حد لامس الخروج على أخلاقيات وأدبيات المجتمع الإيراني الإسلامي العريق، وبما لا يليق بأدبيات الثورة الإسلامية التي يمثلون على الأقل، لاسيما عندما استسهلوا عملية قذف بعضهم بعضا بالكذب والافتراء والخداع و.... دون تقديم أدلة دامغة معتنى بها.ثانيا: لقد أثبتت أغلبية النخب وأحزاب المعارضة المجتمعة على الرئيس بحق أو دون وجه حق، والمجمعة ضد سياساته بأنها ورغم كلامها الجذاب والعقلاني في ظاهره على الأقل بأنها ما هي في الواقع العملي إلا أحزاب بلا جمهور ونخب بلا جذور، جاءت نتائج الانتخابات مهما شككنا بنتائجها أو اتهمنا الحكومة بالتلاعب فيها إلا أنها أظهرت بونا شاسعا بين تلك النخب والأحزاب من جهة، وبين الطبقات الشعبية العريضة من جهة أخرى.ثالثا: لقد أثبت الشعب الإيراني وللمرة المئة ربما بعد الثورة بأنه شعب حيوي يرصد التحولات من داخله وفي محيطه بشفافية عالية أفضل بكثير من طبقته السياسية الحاكمة، ويمتلك من الشجاعة والجرأة على المحاسبة، كما على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية تفوق توقعات أو «استطلاعات الرأي» النمطية المستوردة من الخارج، ما يجعله من الشعوب النادرة في التعامل السلس والانسيابي مع المستجدات بعيدا عن الحلول والخيارات الجاهزة والمعلبة. رابعا: لقد أثبت الإعلام الخارجي وفي طليعته العربي، إلا ما ندر منه، أنه يجهل خصوصيات وأخلاقيات وأدبيات الشارع الإيراني، وفشله الذريع في قراءة التحولات الإيرانية من الداخل كما هي، عندما ظن في كل منعطف وفي كل تحد أو كل حراك عاصف وحامل للتحولات بأن الصدام قادم لا محالة، وأن انقلابا ما على الأبواب أو انتفاضة قادمة ضد النظام أو ثورة ملونة قابلة للتسويق والإنتاج.وسط هذا الكم الهائل من الفوضى العارمة في الأداء الحكومي كما المعارض الداخلي من جهة واللغط المتعمد من جانب الخارج البعيد والتعاطي العربي الغالب عليه جهله بحقيقة مخاضات المجتمع الإيراني جاءت على سبيل المثال لا الحصر زيادة نسبة المشاركة هذه المرة لتشكل إضافة نوعية «للموالاة» بدلا عن المعارضة، أي لحساب أحمدي نجاد بدلا من مير حسين موسوي، وهو ما لم تستطع أي من ماكينات استطلاع الرأي أو الدعاية والإعلام الخارجية أن تتفهمه أو تستوعبه، والسبب واضح تماما لأن النظريات المعلبة والجاهزة التي تتسلح بها أصبحت من النوع البالي والعتيق الذي يسقط مرة أخرى أمام العنفوان الإيراني الحضاري العصي على الانكسار أمام طوفان العولمة الملغمة بنظريات غريبة عن عالمنا العربي والإسلامي.وهنا مربط الفرس كما يقال في كل ما جرى يوم الثاني عشر من حزيران/يونيو المنصرم حيث اجتاحت العاصمة طهران جموع من الصحافيين والمحللين والمراقبين والمراسلين الغربيين والعرب ولسان حالهم جميعا يقول إن ثمة «تسونامي» إصلاحي تقوده النخب المعارضة لحكم «المعزول والمطارد والمنبوذ والمتطرف والمشاغب والمعاكس والمغرد خارج السرب الدولي» أي أحمدي نجاد، في طريقه إلى الوقوع خلال يوم انتخابي طويل، متسلحين بالطبع بشماتة الشامتين بنتائج انتخابات لبنان وما أدراك ما لبنان، وإذا بهم يكتشفون أن التسونامي الذي كانوا ينتظرونه من الغرب جاءهم هذه المرة من الشرق، أي من الأرياف والضواحي بل حتى كبريات المدن المحيطة بالعاصمة المرفهة طهران، لتكرس هذا الرجل الظاهرة رئيسا لدورة ثانية، فسبحان محول الأحوال وناصر الضواحي والأطراف على حساب النخب والمركز والأحزاب، ولله في خلقه شؤون يرزق من يشاء من دون حساب.* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء