الظن واليقين مقولتان معرفيتان في القرآن الكريم، وفي الفكر العربي المعاصر. يغلب الظن على اليقين، واليقين على الظن في معظم الأحوال، وفي أحوال أخرى يسود اليقين في صورة القطع على الظن والاحتمال.
وقد ورد لفظ «ظن» في القرآن تسعا وستين مرة: سبعا وأربعين فعلا مما يدل على أنه فعل معرفي من أفعال الشعور، واثنين وعشرين مرة اسما كلها الظن إلا واحدة «الظان»، وكلها لها معان سلبية، الظن حيث يجب اليقين، باستثناء أربع مرات إيجابية، الظن حيث يجب الظن. وقد وردت المعاني السلبية في نقد الظن من حيث هو ظن دون تحديد موضوع الظن مثل «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»، واستبدال الظن بالعلم «إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ»، والظن لا يغني من الحق شيئا «وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا». والظن أقرب إلى هوى النفس «إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ». والظن نقيض العلم «وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا». وهو اعتقاد أكثر الناس «وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنًّا». ثم تتحدد موضوعات الظن في خمسة: الأول ظن أنه لا يوجد أقوى منهم ولا أقدر «وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا». وظن أنه ناج من قوى أكبر منه «وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ». وظن ذو النون لقوته أنه لا يقدر عليه أحد «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ». وظن البعض أن حصونهم مانعتهم «مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ»، وظنوا أن الجبل يعصمهم «وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ». وهو الذي يلجؤون إليه «وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلا إِلَيْهِ»، فإدراك حدود القوة جزء منها، فلا يوجد قوي إلا ويوجد أقوى منه، فالقوة على درجات، وقوة الإنسان إحداها. والثاني الظن بأن هذه الدنيا هي الكلمة الأولى والأخيرة، فيها يحيا الإنسان ويموت، وليس هناك قيامة ولا بعث ولا حساب ولا عقاب، فقد ظن البعض أن الله لن يبعث أحدا «وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَدًا»، ظنوا أنهم لا يرجعون إلى الله «وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ»، وأنه لا خاتمة لهم ولا مصير، «وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ»، وأن الدنيا باقية إلى الأبد «قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا»، وأن الساعة ليست قائمة «وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا»، وأنهم غير مبعوثين «أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ»، وأنهم لا يدرون ما الساعة وأنها غير قائمة «قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا». والثالث الظن بأن رسالة الرسل باطلة، فقد ظن فرعون أن موسى مسحور «فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا». وكذب فرعون موسى لأنه لم يطلع على إلهه، فكل شيء لديه حسي «لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ». ويريد سلّماً يرتقي به إلى السماء «فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا». وظن قوم الرسول أنه في سفاهة وأنه من الكاذبين «إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ»، فالرسول بشر مثلهم ولا يزيد عليهم شيئا «وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ»، وليس له عليهم أي فضل، «وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ». والرابع ظن ألا أحد يعلم عنهم شيئا «وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ». يظنون بالله غير الحق، ظن الجاهلية «يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ». ولا يعلم اليهود يقينا مصير المسيح «مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا». فلا يتبعون إلا الظن «إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ»، والظن لا يغني من الحق شيئا «إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا»، وهو ليس فقط ظن العلم بل ظن الأخلاق، ظن السوء «وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا»، والظن غير اليقين «إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ» لا يعلمون الكتاب إلا أماني أي كما يشتهون «لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ». وإذا ظنوا بالله شيئا فإنه ظن السوء «الظَّانِّينَ بِاللَهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ». وظن السوء ينتهى إلى البوار «وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا». الخامس، ومع ذلك بعض الظن ظن حسن، يساعد على الإدراك، ويقلل من القطيعة والعناد والتعصب للرأي، فالظن أن حديث الإفك إفك ظن خير «لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا». وقد يؤدي الظن إلى إدراك الحقيقة والاستغفار ثم التوبة كما حدث لداود «وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ»، والظن بألا تقام الحدود فيتم التراجع عن فعل شيء ظن حسن «فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ». وقد يظن الإنسان أنه ملاق حسابه فيعمل صالحا «إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ». وقد يدرك الظان أنه ظن بعيد عن اليقين «إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ». ومن يظن أنه ملاقي الله يدرك قانون أن الكيف له أولوية على الكم «قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو الَلهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَهِ». ورؤية اليهود لنهاية المسيح مجرد ظن صحيح «مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا». الظن مقولة معرفية ليست بمفردها بل مع اليقين. الظن في اليقين هدم للمعرفة، واليقين في الظن غلق لها. لكل دائرته. الظن حيث يجب الظن، واليقين حيث يجب اليقين، وفي مجتمع يغلب عليه اليقين بعض الظن يفيده. فالظن شك، والشك مقدمة لليقين.* كاتب ومفكر مصري كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
مقالات
إن بعض الظن إثم
08-06-2009