ما بعد الاستجواب
الأصل في الديمقراطية هو العلانية والشفافية، لأنه لا رقابة شعبية فاعلة في ظل سرية تداول المعلومات والبيانات وحجب الحقائق، لذلك فإن طلب الحكومة تحويل الجلسة إلى سرية يتنافى مع أبسط القواعد الديمقرطية، إذ إنها منعت الأمة مصدر السلطات جميعا من معرفة الحقيقة خصوصا أن الموضوع المطروح لا علاقة له بالأمن الوطني أو بأسرار الدولة العسكرية، وهو ما اعترفت به الحكومة بعد الجلسة مباشرة على لسان الناطق الرسمي د. محمد البصيري، إذ صرح لوسائل الإعلام بأن الحكومة "سوف تعرض اليوم جميع الحقائق والمستندات والإحصاءات والأرقام التي من المنتظر عرضها في جلسة الاستجواب" الأمر الذي يثير التعجب فعلا ويدعونا نتساءل: لماذا السرية إذن؟! والأدهي والأمر أن يوافق أغلب أعضاء المجلس على سرية الجلسة رغم أن ذلك يعتبر تفريغا لأداة الاستجواب من محتواها. لكن وبغض النظر عن النتيجة السياسية للاستجواب باعتباره مساءلة سياسية لها حساباتها وخططها وتكتيكاتها واصطفافاتها وخسائرها وأرباحها فإنه من الأهمية بمكان أيضا التوقف عند ما سيترتب على عدم مناقشة الاستجواب من التزامات وقرارات وإجراءات حكومية لمعالجة المشكلة أو المشاكل التي وردت في صحيفة الاستجواب، وهي مشكلة تلوث "أم الهيمان".
بمعنى آخر فإنه يجب ألا تطغى الاعتبارات السياسية، على أهميتها، على الاعتبارات الأخرى خصوصا أن القضية المثارة في هذا الاستجواب وهي التلوث البيئي في منطقة أم الهيمان تتعلق بصحة ما يقارب من 45 ألف إنسان هم سكان المنطقة، ليس ذلك فحسب بل إن هذا العدد سيزداد أضعافا مضاعفة إذا ما أضفنا إلى تلوث أم الهيمان التلوث والدمار البيئي الموجود في مناطق الكويت كافة، وإن بدرجات متفاوتة، لذا فإنه من المفترض أن تولي السلطتان، الحكومة ومجلس الأمة، أهمية قصوى لهذا الموضوع بغض النظر، مرة أخرى، عن التداعيات السياسية التي ستترتب على انسحاب مقدم الاستجواب احتجاجا على سرية الجلسة.لقد طرحت قضايا على درجة كبيرة من الأهمية في الاستجوابات السابقة، لكن يبدو أن الاهتمام بهذه القضايا قد انتهى بمجرد انتهاء الاستجوابات. خذ على سبيل المثال لا الحصر القضية الصحية، إذ سبق أن قدم أكثر من استجواب لوزراء صحة مختلفين حول رداءة الخدمات الصحية وقضية العلاج في الخارج وإلى اليوم لا نعرف النتيجة غير السياسية لهذه الاستجوابات... هل ترتب عليها فعلا تطوير في الخدمات الصحية؟ وهل تم حل مشكلة العلاج في الخارج؟ أم أن الوضع لايزال كما هو، أي انتهت الاستجوابات وبقيت المشاكل الصحية، رغم كثرة عدد الاستجوابات التي قدمت لوزراء صحة سابقين؟لذلك وبالرغم من أن الاستجواب هو مساءلة سياسية بالدرجة الأولى لا بد منها في الأنظمة الديمقراطية وإلا فقدت الرقابة الشعبية معناها الحقيقي، فإنه من الأهمية بمكان، كما سبق أن طرحنا في أثناء الاستجوابات السابقة، أن يقوم مجلس الأمة بإيجاد آلية معينة يتم من خلالها متابعة نتائج الاستجوابات حتى تلك التي لم تناقش بشكل ميداني وشفاف حتى يلمس الناس أن هنالك تغيرا ما في السلوك والتصرفات والقرارات الحكومية ترتب على تقديم هذه الاستجوابات، وأدى لحل المشكلة محل الاستجواب. فهل يا ترى نرى مثل هذه الآلية في متابعة قضية تلوث البيئة ودمارها التي تهم سكان الكويت قاطبة؟ أم أن القضية ستقف عند حد تقديم الاستجواب وكفى الله المؤمنين شر القتال؟