إذا كان صحيحاً أن فك الحصار عن قطاع غزة قد استنزف معظم مهمة الموفد الأميركي جورج ميتشل الأخيرة في المنطقة، وأن كل أو معظم ما دار بينه وبين الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) قد تركز على هذا الأمر، فإن هذا يعني أن اللعبة الإسرائيلية قد انطلت على الجميع، وأن "أسطول الحرية" قد أصبح عبئاً على القضية الفلسطينية باستبداله موضوع إقامة الدولة المستقلة بموضوع إنهاء الحصار على هذا القطاع وأهله.

Ad

ربما تسيير "أسطول الحرية" في الوقت ذاته، الذي اشتد فيه الضغط الدولي على إسرائيل لإلزامها بحل الدولتين، دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل، قد جاء مصادفة، وهو بالتأكيد بعيد عن أن يكون "مؤامرة"، لكن بما أن كل شيء يحكم عليه من خلال نتائجه فإن تحول قضية فلسطين من قضية إنهاء الاحتلال وإقامة دولة متصلة وقابلة للحياة والاستمرار، عاصمتها القدس الشرقية، على كل الأراضي المحتلة، ووفقاً لما كان عليه الوضع في الرابع من يونيو عام 1967، إلى مجرد قضية فك الحصار عن غزة يستدعي إعادة النظر وبسرعة بكل هذه المسألة من ألفها إلى يائها.

لقد سعى بنيامين نتنياهو منذ البداية إلى قطع الطريق على الموقف الدولي المطالب بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفقاً لحدود الرابع من يونيو عام 1967، بإثارة قضايا جانبية لإشغال الفلسطينيين والعرب والعالم بها، مثل قضية الاستيطان، وإبعاد اهتمامهم عن الموضوع الرئيسي الذي هو الاحتلال ككل، وضرورة إنهاء هذا الاحتلال كله حتى بما في ذلك المستوطنات وفقاً للقرارات الدولية، وأهمها قرارا مجلس الأمن رقم 242 و338.

وحقيقة، إذا استمر إرسال "أساطيل حرية" جديدة إلى غزة، وإذا استمر تحول الاهتمام العالمي من مسألة الاحتلال وضرورة إنهائه، إلى مسألة فك الحصار، فإن الرابح الوحيد في هذا النمط من الصراع المستحدث سيكون بنيامين نتنياهو، واليمين الإسرائيلي ومعه اليمين الأميركي المتصهين، الذي يصر على عدم الاستماع إلى كبار الجنرالات الأميركيين الذين يواصلون تأكيد أن تعطيل الإسرائيليين لعملية السلام يُلحق أضراراً فعلية واستراتيجية بالمصالح الحيوية الأميركية في الشرق الأوسط بأسره.

كان يجب أن يدرك الفلسطينيون والعرب هذه اللعبة التي يلعبها بنيامين نتنياهو، والتي للأسف يبدو أنه حقق النجاح الذي كان يتوخاه ويسعى إليه، حيث تحولت أنظار العالم عن الاحتلال وعن استحقاق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة إلى موضوع رغم أهميته فإنه لا يشكل جوهر أزمة الشرق الأوسط، وهو موضوع رفع الحصار عن قطاع غزة الذي تمتلك "حماس" قراره بموافقتها على ورقة المصالحة المصرية، وباستعدادها للعودة بالأمور إلى ما كانت عليه قبل أن تقوم بانقلابها الدموي المعروف على منظمة التحرير والسلطة الوطنية.