ترى ما الرابط بين تصعيد الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصرالله، وخطاباته الحماسية المتتالية، وتوزيعه الاتهامات بالعمالة، وتهديداته المبطنة في الفترة الأخيرة، وما يحصل في اليمن من تصاعد المعارك من جديد بين الحوثيين والقبائل اليمنية الموالية للحكومة، وسقوط العشرات من القتلى والأسرى بعد أن تزود الحوثيون بالدبابات، وما حصل أخيراً من انفجار في ناقلة نفط يابانية عملاقة في مضيق هرمز قبل أن ترسو بميناء الفجيرة، وما يحدث في الساحة العراقية من استعصاءات وتعقيدات تحول دون أن ترى الحكومة الجديدة النور رغم مرور عدة شهور على الانتخابات، وما يحصل في الصومال من اشتداد عود حركة الشباب المجاهدين، وانشقاق عناصر من حرس الرئيس شريف شيخ أحمد، وانضمامهم إليها؟!
إجابة هذا التساؤل الطويل ليست بعيدة عن تداعيات الملف النووي الإيراني، والعقوبات الأوروبية الجديدة التي تم فرضها على إيران لتضاف إلى العقوبات الأميركية، واللتان تشكلان أقوى حزمة عقوبات فرضت على إيران بسبب برنامجها النووي، ويمكن أن تشلا قدرة إيران على المناورة والتحرك في المجال الاقتصادي العالمي، فالعقوبات الأوروبية الجديدة التي انضمت إليها كندا وأستراليا تصيب عصب الاقتصاد الإيراني في الصميم لأنها تستهدف قطاعي الطاقة والمصارف، وعلى الرغم من تظاهر إيران وادعائها بأن العقوبات غير مؤثرة وأنها ستفشل، فإن الواقع يشهد خلاف ذلك، يكفي أن نعلم مدى تأثير هذه العقوبات أنها بددت طموحات إيران في أن تصبح أحد المنتجين الرئيسيين للغاز الطبيعي. لا يستطيع أي مراقب أن يفصل أو يستبعد الحديث عن أجواء التوتر والقلق المخيمة على المنطقة، وعن تصاعد العقوبات الدولية على إيران، بل إن إيران صرحت أن كل من يشارك في هذه العقوبات يعتبر عدواً للجمهورية الإسلامية. وقد اشتد غضب نجاد على روسيا عندما تحدث "ميدفيديف" الرئيس الروسي في سابقة علنية نادرة عن احتمال اقتراب إيران من صنع سلاح نووي، وبحسب تصريح خبير شؤون إيران في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية فإن معظم القطاعات التي استهدفتها عقوبات الاتحاد الأوروبي هي قطاعات يملك الأوروبيون فيها قوة كبيرة ليس بمقدور كثير من الدول توفير ذلك النوع من الخدمات المالية التي ستتوقف، ودول قليلة أخرى تقدم تكنولوجيا الغاز الطبيعي المسال وليس هناك أحد يقوم بخدمة إعادة التأمين. فالاتحاد الدولي جاد هذه المرة في عقوباته لكن إيران مازالت على وهمها القديم، بأنها كلما صعّدت وسخنت المنطقة وأمدت الأطراف المتنازعة بالسلاح والمال استطاعت أن تقوي مركزها التفاوضي حول ملفها النووي. أجواء شديدة السخونة في المنطقة، خصوصا في لبنان، والكل قلق ومتوتر هناك، وقد صرح المستشار السياسي للرئيس اللبناني مؤكداً وجود خطر حقيقي محدق بلبنان بسبب الأجواء المتشنجة وانعكاساتها على الأطراف السياسية المختلفة والتجاذبات الحاصلة بسبب القرار الظني المرتقب للمحكمة الدولية، لكن الأكثر قلقاً وتوتراً في لبنان هو حزب الله الذي خطب أمينه العام مرتين خلال 3 أيام محذراً ومنذراً. ومصدر قلق الأمين العام يرجع إلى عاملين: العامل الأول: القرار الظني المتوقع صدوره في سبتمبر القادم من قبل المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس الحريري، والذي يظن الحزب أنه قد يطول بعض عناصره غير المنضبطة، وعلى الرغم من عدم صدور شيء مؤكد أو وجود أي معلومة تدين الحزب غير تسريب صحفي يتيم ورد في مجلة "دير شيبغل" الألمانية تضمن إشارة إلى وجود أدلة قوية جداً تدين الحزب بالمشاركة الفعلية في عملية الاغتيال، فإن الحزب يثير الفزع ويهدد ويتوعد ويخون ويصرح أمينه العام "أن قرار المحكمة الظني كتب قبل التحقيق وأجل لأسباب سياسية وسيتهم عناصر من حزب الله ويستبعد سورية"، وفي خطابه الثاني قال السيد حسن نصر الله: نحن من يتم تركيب التهمة لنا، وقد وصل حجم الفزع أن دعا الشيخ صبحي الطفيلي– الأمين العام السابق للحزب– سعد الحريري إلى "موقف متسامح" في موضوع القرار الظني للمحكمة، معتبراً أن "صدور القرار الظني سيدخل لبنان في نفق مظلم لا يعلم إلا الله– والرئيس الأميركي أوباما– أين ومتى سيخرج منه"، وناشد الطفيلي "أولياء الدم" أي الحريري بالقول "تعلمون أن المؤسسات الدولية من مجلس الأمن والصليب الأحمر وحقوق الإنسان هي مؤسسات لخدمة الإمبراطورية الأميركية، وإذا كانت مصلحة أميركا إخفاء القاتل فستفعل، وهي قادرة على ذلك"، لافتاً إلى أن "موقفاً متسامحاً من أولياء الدم يقطع الطريق على الكثير من الآلام ويجهض الفتنة". وفي مؤتمر صحفي عقده في منزله قال الطفيلي: إذا كان الاقتصاص من المدانين سيدخلنا في أتون الفتن، وستذهب الكثير من الدماء، وسيحترق لبنان فمن واجبنا طي صفحة الماضي، والعفو عن القتلة وإلغاء المحكمة"، وختم حديثه بالقول "علينا أن نملك الشجاعة الكاملة للتضحية في سبيل الأمة لا في سبيل الأشخاص".هذا الموقف التشكيكي الارتيابي من المحكمة الدولية، وقبل أن تعلن نتائج عملها، ما تفسيره؟! لماذا هذا الهجوم الشرس على المحكمة الدولية وحتى قبل صدور أي قرار بالإدانة أوالاتهام؟! لقد صرح تيار المستقبل، وذلك لطمأنة "حزب الله" بأنه لن يقبل بقرار المحكمة في حال لم يبن على دلائل وقرائن قاطعة، فلماذا هذا الموقف التصعيدي من قبل "حزب الله"؟! هناك من يفسر الموقف على ضوء المثل العربي القديم "يكاد المريب أن يقول خذوني" لكن الأقرب إلى القبول أن تصعيد الحزب ضد المحكمة، وفي هذا الوقت بالذات، مرتبط بمصير المحادثات حول الملف النووي الإيراني والعقوبات الجديدة المفروضة على إيران، بدليل أن عضو المكتب السياسي للحزب محمود قماطي قال: إنه إذا أدت المفاوضات مع إيران إلى نتائج ايجابية، وتم التوصل إلى اتفاق ما حول الملف النووي الإيراني، يعود موضوع المحكمة الدولية وينام.العامل الثاني: تصاعد الحديث أخيراً عن تدفق الأسلحة على "حزب الله"، واتهام إسرائيل للحزب بأن عندها وثائق تؤكد أن "حزب الله" خزن 40 ألف صاروخ قرب جنوب لبنان منذ الحرب الأخيرة، وكشف الجيش الإسرائيلي في الذكرى الرابعة للحرب الإسرائيلية على لبنان هذه الوثائق، مؤكداً أن "حزب الله" يستخدم المدنيين دروعاً بشرية، وهدد قائد الجبهة الغربية الإسرائيلي بأن الجيش سيواجه حرباً كهذه بكل قوة من خلال ضرب مواقع العدو في أحياء سكنية، بما يعني أنها ستخلف ضحايا كثراً بين المدنيين، وعرض في المؤتمر الصحفي أشرطة مصورة عن استعدادات الحزب للحرب، وتحويله 160 قرية لبنانية مواقع عسكرية. وأخيراً صرح إيهود باراك– وزير الدفاع الإسرائيلي– وقبيل زيارته للولايات المتحدة: إذا أطلق "حزب الله" الصواريخ على تل أبيب فإن الحكومة الإسرائلية سترد بضرب المؤسسات الحكومية اللبنانية، معتبراً أن تل أبيب لن تجري وراء عناصر "حزب الله" أو مطلقي الصواريخ فقط، بل سيتم اعتبار الحكومة اللبنانية مسؤولية عما يحدث، وأضاف "سيكون الأمر مغايراً لما حدث في 2006 عندما طالبتنا وزيرة الخارجية الأميركية بعدم المساس بحكومة السنيورة وامتثلنا لذلك". وبغض النظر عن صحة هذه المعلومات، فإن المرء يتساءل: لم الاستخفاف بحياة البشر؟! ولماذا تكون حياة الناس رخيصة لدى الأحزاب الدينية المسلحة؟! فالجماعات الإرهابية في كل مكان يفجرون بشراً أبرياء بل لا يتورعون عن تفجير مصلين في بيوت الله، والجماعات الدينية المسيسة لا تأبه أيضاً بحياة المدنيين وتعرضهم لأخطار الحروب، "حماس" بالأمس عرضت أرواح المدنيين لوحشية العدوان الإسرائيلي ولم تبال بحياتهم، و"حزب الله" بالأمس، وعبر مغامرته غير المحسوبة، لم يعمل أي اعتبار للدم اللبناني! ما أرخص دم الإنسان العربي والمسلم! قبل هؤلاء ضحى الثوريون بشعوبهم ولم يبالوا مطلقاً بدمائهم، إذ زجوا بهم في معارك خاسرة على امتداد نصف قرن في سبيل لا شيء! هذه العقلية التي لا تؤمن بكرامة الإنسان ولا تبالي بقيمته، هي إفراز ثقافة موروثة ترى أن التضحية بالفرد في سبيل بقاء القائد أو الزعيم أمر مشروع، وهذا ما عبر عنه الطفيلي في مقولته التي مرت، يكدسون الأسلحة في سرداب تحت مسجد أو مستشفى أو منزل سكني أو مصنع لحليب الأطفال ظناً أن ذلك خداع مشروع للعدو، ولا يفكرون لحظة في مصير هؤلاء الأطفال والنساء والمدنيين الذين قد يكونون معرضين للأخطار. تقول هدى الحسيني "لاحظ اللبنانيون أن اليونيفيل عندما تفتش عن السلاح تكتفي أن حزب الله جيب ضخم، في حين أن الدولة اللبنانية غير قادرة على إرسال العدد المطلوب دولياً من جيشها، وصار مقاتلو الحزب أكثر تسليحاً وتدريباً على الأسلحة الجديدة التي وصلت خلال السنوات الأربع الأخيرة". السؤال: ما حاجة الحزب إلى كل هذه الأسلحة؟ الحزب ليس بحاجة إلى كل هذه الأسلحة للسيطرة على لبنان، فلا يبقى إلا أنها مرتبطة بالملف النووي الإيراني، والمسألة الإيرانية في مواجهة إسرائيل، أي أنها مسألة إيران لا لبنان، ولكن هل يكرر الحزب مغامرته مرة أخرى ويعرض لبنان للخطر؟ ما أرخص حياة البشر!*كاتب قطري
مقالات
في انتظار القرار الظني للمحكمة الدولية
02-08-2010