نوبل واشكالية النص العربي
في حواره الصحافي الذي أجراه على قناة «إل بي سي» قبل عدة أسابيع، قال أدونيس في معرض سؤال عن جائزة نوبل للآداب «على العرب التوقف عن التفكير في هذه الجائزة، فهي لن تُعطى لهم أبداً».
يقول أدونيس ذلك وهو الشاعر الأكثر إشكالية في الثقافة العربية على مدى سنوات طويلة، فقد أحدث ربكة في النص الشعري، ولامس مُسلَّمات الثقافة العربية، بما يُشبه الزعزعة، وإعادة البناء، واكتسب من جراء ذلك أعداء كُثُراً، كما اكتسب أصدقاء ومريدين لا حصر لهم.على المستوى الشخصي كنت أكثر تفاؤلاً بنيل أدونيس الجائزة قبل ثلاث سنوات، أي في عام 2006، في حينها أجريت اتصالات ببعض الأصدقاء، وقلت: الجائزة في هذه السنة ستكون لشاعر، وعربي سنصطاد عصفورين بحجر واحد، لم يحدث شيء من توقعاتنا، وها هي السنون تمر، والجائزة تصبح أكثر ابتعاداً.لماذا «نوبل»؟ ولمَ هذا الاهتمام العربي الذي لا يخلو من بُعد عاطفي، قومي، يقترب من حد السذاجة؟ قد يكون الأمر عائداً إلى قيمة الجائزة التي تقترب من مليون ونصف المليون دولار، فذلك مبلغ ينتقل بصاحبه -بين عشية وضحاها- إلى قائمة الأثرياء، وهو أمر لن يحلم به الكاتب العربي إلا في خيالات مصباح علاء الدين، وقد يكون للأمر علاقة بالناحية المعنوية، والبعد السياسي والقومي للشعوب، هنا تصدق كثير من تكهنات أصدقائنا المُغرمين بمفهوم المؤامرة، كما حدث ذلك في سباق «اليونيسكو»، مع الوزير فاروق حسني، وسيحدث في سنوات قادمة مع «نوبل»، ومناصب دولية أخرى كثيرة. هل فشل العرب في الحصول على «نوبل»؟ هل هي حقاً جائزة ذات أهمية؟ هل الحصول عليها يمنح شهادة لصاحبها بمتانة نصه الأدبي، وامتلاكه مقومات الإبداع الحق؟ سواء من حيث الكم أو النوع.في نصها المُقتضَب لبيان حيثيات الجائزة، لا تفصل الأكاديمية السويدية كثيراً في الحديث عن السمات الفنية والأسلوبية للأديب صاحب الجائزة، إنما هي إشارات عمومية تتحدث عن مضمون إبداعه، وسمة غالبة عليه، إذن نحن هنا نتحدث عن المضمون لا الشكل أو الأسلوب، وهي نقطة بالغة الأهمية، لأن الثقافة العربية على مدى تاريخها الطويل لم تولِ اهتماماً بالمضمون بقدر اهتمامها باللفظ، «المعاني مطروحة على الطريق»، وهي أمة شاعرة بالدرجة الأولى، ولم تعرف الرواية إلا في وقت متأخر جداً، مقارنة بالشعوب الأوروبية مثلاً، وجائزة نوبل حتى هذه اللحظة لم تتآلف مع الشعراء بقدر ائتلافها مع الروائيين.قد لا تكون تلك أسباب كافية لصد الجائزة عن العرب، ولو نظرنا إلى حيثيات منح الجائزة لهذه السنة، مثل الدفاع عن المحرومين، أو المعاناة من جراء سلطات مستبدة، فإننا نجدها تنطبق على مبدعين عرب لا حصر لهم، عانوا الاستبداد وتشردوا في منافي أوروبا، وأميركا والشرق الأقصى، منهم من له أعمال تفوق كثيراً روايات وقصص هيرتا مولر، لكن الجائزة لا تمنح في الأغلب سوى لمبدع واحد.تستحق هيرتا مولر، بحسب ما اطلعنا عليه من «عناوين» أعمال الجائزة، وهي كاتبة مناضلة حقيقية، لكن في السياق ذاته يستحق أدونيس الجائزة، كما يستحقها إبراهيم الكوني، حنا مينا، أحلام مستغانمي، والراحلون يوسف إدريس، الطيب صالح، يحيى حقي، عبدالرحمن منيف.يحق للأكاديمية السويدية أن تمنح من تشاء الجائزة، كاتباً مغموراً أم هو في طليعة المرشحين، ويحق للشعوب أن ترشح من تشاء من مبدعيها، لكن الثابت أن الثقافة العربية مختلفة، وإشكالية من حيث نصها الديني، ولغتها المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهذا النص، وما يتولد عنه من فتاوى وإرهاصات لا تفرق كثيراً بين النص الإبداعي والدين وعنف السياسة، والثابت كذلك أن الأكاديمية السويدية ستتردد كثيراً قبل الإعلان عن أي فائز عربي بهذه الجائزة.