وجع لقاء الأصدقاء
العنصر المشترك في جميع اللقاءات الثقافية والأدبية العربية، هو إجماع الضيوف على أن تجدد اللقاء بين الأصدقاء هو المهم في أي مهرجان أو ملتقى أو ندوة، وبما يثير سؤالاً ملحاً بشأن القطيعة بين الأديب وزميله الآخر، وكيف يمكن مدّ خيط الوصل بينهما؟
إن المتابع للوضع الثقافي العربي، يرى بكثير من الوضوح تشتت الكاتب العربي بين إخلاصه لإبداعه وهمه الثقافي الكتابي من جهة، وبين عدم قدرته على الإيفاء بمستلزمات حياته الإنسانية وأفراد أسرته، الأمر الذي يضطره إلى الكد والعمل بغية الحصول على الحد الأدنى من الحياة الكريمة. وهذا الأمر مجتمعاً يجعل السفر، في الحالة الأعم، شيئاً من الترف والكماليات التي ليست في متناول الكاتب والمثقف العربي، وبالتالي يجعل فرصة لقائه بزملائه الكتّاب والأدباء في أي ملتقى أو مهرجان مناسبة فرح لا يمكن تفويتها.إن مقارنة بسيطة بين وضع الكاتب في الغرب والكاتب العربي، تظهر بجلاء كيف أن الكاتب الغربي يعيش ترفاً وعزة وكرامة واعترافاً بموهبته وإبداعه لا يحوزه حتى أكثر الكتاب العرب حضوراً ووصلا بجمهور القراءة والنشر. وربما كان هذا أحد الأسباب الرئيسية وراء تأخر المجتمعات العربية. فمجتمع لا يتعامل مع أصحاب الفكر والموهبة بما يستحقون من احترام وتقدير وإعلاء لشأنهم، هو مجتمع يفرّط في عبقرية أبنائه، ومجتمع يبث الخيبة في قلوب مبدعيه. إن التفاتاً حقيقياً لوضع المبدع العربي، بات أمراً بعيد المنال، سواء على صعيد المؤسسة الرسمية أو المؤسسة الأهلية، وإن شكوى المبدعين العرب بصعوبة أوضاعهم المعيشية، هي بازدياد في مختلف الأقطار العربية، لذا فإن لقاءات المهرجانات العربية أخذت شيئاً فشيئاً تحقق للكاتب ما يعجز هو عن تحقيقه لنفسه بميزانيته الخاصة. لقاءات المهرجانات صارت تتيح للكاتب العربي، فرصة لقاء زملائه الكتّاب والصحافيين والإعلاميين، وتبادل الرأي والنتاج الجديد معهم، وهي من جهة أخرى تتيح له فرصة التعرف على جمهور جديد من القراء العرب، جمهور لا تُتاح له فرصة التعرف على آرائه المباشرة بينما هو في وطنه.إن مهرجاناً عربياً يدعو المبدعين العرب أبناء الهم الواحد، شعراً أو رواية أو قصة أو سينما أو تشكيلاً أو مسرحاً، لتنعقد جلساته دون جدول مسبق بمحاضرات بائسة، ودون ندوات ثقيلة تستعطف وتستجدي حضور الجمهور، قد يكون مهرجاناً مهماً جداً، فمثل هذا المهرجان يتيح لقاءً صريحاً للكتاب في ما بينهم، وقد يستنطقهم في مكنونات قلوبهم، وبما يفوق أهمية ما يخطونه على ورق المحاضرات البائسة أحياناً.من كانت له حيلة فليحتال، وأظن أن وضع الكتاب العربي البائس والمؤلم، أجبره على أن يحتال بشرف للقاء أصدقائه وزملائه وجمهوره، وهو في احيتاله المشروع هذا، إنما يتصل بودهم الإنساني، مثلما يتعرف على آخر أفكارهم، مقدماً لنفسه زاداً لا يمكنه العيش بدونه.