وجع الأخبار
أذكر أن نشرة أخبار الساعة الواحدة ظهراً كانت النشرة الأساسية في إذاعة الكويت، وأن نشرة التاسعة ليلاً كانت النشرة الأهم في تلفزيون الكويت، وكذلك الأمر بالنسبة إلى باقي الإذاعات العربية والعالمية، ومحطات التلفزة، يوم كانت التلفزيونات تبث برامجها ضمن حدودها المحلية. لكن الأمر اختلف، يوم انتشرت القنوات الفضائية عبر الأقمار الاصطناعية العابرة للقارات، ويوم صارت الإذاعات العالمية تتخذ من موجات بث الـ «أف أم» الداخلية لكل دولة مجالاً لبث برامجها ونشرات أخبارها، فخلال عقد من الزمان أو يزيد قليلاً، انتشرت كالسرطان المحطات الفضائية العالمية والعربية التي تخصصت في بث نشرات الأخبار على مدار الساعة، وسرى سباق محموم بين مختلف المحطات على اصطياد الحدث لحظة وقوعه، والسبق في بثه، مما ترتب عليه ازدياد عدد نشرات الأخبار، وبالتالي تحول الأخبار إلى مادة مفروضة على الإنسان، تلاحقه في كل وقت، وأينما كان!
إن رصداً بسيطاً لمادة نشرات الأخبار، يظهر بشكل جلي انغماسها الكلي في بثِّ أخبار الحروب والدمار ونزف الدماء والخلافات والنزاعات والاضطرابات والكوارث الطبيعية، أكثر من سعيها إلى أي شيء آخر. وكم تساءلت، بيني وبين نفسي، عن جدوى بث خبر على محطات فضائية عالمية، عن انقلاب شاحنة، أو تهدم جسر مشاة في قرية صغيرة، أو فرار قرد من حديقة الحيوان؟!الأخبار بأنواعها، عسكرية وسياسية واقتصادية ورياضية وفنية، ولم أدرج الثقافية، لعدم وجودها ضمن مادة نشرات الأخبار، في الغالب الأعم، قد تكون مادة مهمة للبعض المختص والمتابع، لكنها بالتأكيد ليست ضرورية لجميع الناس، على اختلاف أعمارهم ووعيهم واهتماماتهم الشخصية. العالم يعيش عصر ثورة المعلومات، ومحركات البحث، ومواقع شبكة الإنترنت، مثلما يعيش عصر الإعلام والتلفزيون والمحطات الفضائية، لذا فتكريس أخبار العنف والدمار والحروب والقتل بات يشكل مضايقة ووجعاً يومياً لملايين البشر، تضيق بهم ظروف حياتهم المعيشية الخاصة، حتى أنهم يطمحون إلى بصيص أمل، أو فسحة راحة من ألم موجع يلازم القلب، يُضاف إلى ذلك أن تكرار بث أخبار الموت والقتل، سرب لوعي ملايين البشر، والأطفال بوجه خاص، قناعة بلا جدوى ورخص قيمة الحياة، وبعادية مناظر الدم والقتل، وهذا بدوره خلق جيلا أو جيلين من الشباب في مختلف أنحاء العالم، يعتاش على متابعة العنف بكل صوره.الحياة جميلة وستبقى جميلة، بالرغم من كل الخراب الذي ينتشر في أرجائها، لذا فإن نشر وتصدير العنف والقتل بوصفه شاغل الإنسان الأول، أمر يستحق الوقوف عنده ومراجعته، وربما الكف عنه، إلا في حدود الضرورة الدولية، وفي حدود اهتمامات كل دولة وكل حكومة.قد يرى البعض إمكان التحول عن نشرات الأخبار، لكنني أظن أن الأجدى من ذلك هو المطالبة بمساحة، ولو صغيرة، لباقي اهتمامات الإنسان الحياتية على جدول معدي نشرات الأخبار، وأظن أيضا أن تحولاً في مزاج معدي ومسؤولي نشرات الأخبار، قد يولّد، على المدى الطويل، تحولاً في أمزجة المستمعين والمشاهدين، وإدخال شيء من فرح بريء لحياتهم.الحياة حلوة، ومأزقها الوجودي الأكبر أنها تُعاش مرة واحدة، فلماذا الإصرار على محاربة جمالها؟ ولماذا الإصرار على تقديم أخبار الموت على الحياة؟